تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٨٣
أهدى سبيلا أم محمد؟ فقال كعب: ماذا يقول محمد؟ قالوا: يأمر بعبادة الله وحده، وينهى عن الشرك. قال: وما دينكم؟ قالوا: نحن ولاة البيت نسقي الحاج، ونقرى الضيف، ونفك العاني، وذكروا أفعالهم. فقال: أنتم أهدى سبيلا. وفي بعض ألفاظ هذا السبب خلاف قاله ابن عباس. وقال عكرمة، خرج كعب في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد، والكتاب هنا التوراة على قول الجمهور، ويحتمل أن يكون التوراة والأنجيل.
والجبت والطاغوت صنمان كانا لقريش قاله: عكرمة وغيره. أو الجبت هنا حيي، والطاغوت كعب، قاله: ابن عباس أيضا. أو الجبت السحر، والطاغوت الشيطان، قاله: مجاهد، والشعبي وروى عن عمر والجبت الساحر، والطاغوت الشيطان قاله: زيد بن أسلم. أو الجبت الساحر، والطاغوت الكاهن، قاله: رفيع وابن جبير. أو الجبت الكاهن، والطاغوت الشيطان، قاله: ابن جبير أيضا. أو الجبت الكاهن، والطاغوت الساحر، قاله: ابن سيرين. أو الجبت الشيطان، والطاغوت الكاهن قاله: قتادة. أو الجبت كعب، والطاغوت الشيطان كان في صورة انسان، أو الجبت الأصنام وكل ما عبد من دون الله، والطاغوت الشيطان قاله: الزمخشري. أو الجبت والطاغوت كل معبود من دون الله من حجر، أو صورة، أو شيطان قاله: الزجاج، وابن قتيبة.
وأورد بعض المفسرين الخلاف مفرقا فقال: الجبت السحر قاله: عمر، ومجاهد، والشعبي. أو الأصنام رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، والفراء، أو كعب بن الأشرف. رواه الضحاك، عن ابن عباس. وليث، عن مجاهد. أو الكاهن روى عن ابن عباس، وبه قال: مكحول، وابن سيرين. أو الشيطان قاله: ابن جبير في رواية، وقتادة والسدي أو الساحر قاله: أبو العالية وابن زيد. وروى أبو بشر عن ابن جبير قال: الجبت الساحر بلسان الحبشة، وأما الطاغوت فالشيطان قاله: عمر، ومجاهد في رواية الشعبي وابن زيد. أو المترجمون بين يدي الأصنام رواه العوفي عن ابن عباس، أو كعب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال: الضحاك، والفراء. أو الكاهن قاله عكرمة أو الساحر، روى عن ابن عباس، وابن سيرين، ومكحول، أو كل ما عبد من دون الله قاله: مالك. وقال قوم: الجبت والطاغوت مترادفان على معنى واحد، والجمهور وأقوال المفسرين على خلاف ذلك، وأنهما اثنان. وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) الكلام على المغيبات جبتا لكون علم الغيب يختص بالله تعالى. خرج أبو داود في سننه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (الطرق والطيرة والعيافة من الجبت) الطرق الزجر، والعيافة الخط. فان الجبت والطاغوت الأصنام أو ما عبد من دون الله، فالإيمان بهما التصديق بأنهما آلهة يشركونهما في العبادة مع الله، وان كان حييا، وكعبا، أو جماعة من اليهود، أو الساحر، أو الكاهن، أو الشيطان، فالإيمان بهم عبارة عن طاعتهم وموافقتهم على ما هم عليه، ويكون من باب اطلاق ثمرة الإيمان وهي الطاعة على الإيمان.
* (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ءامنوا سبيلا) * الضمير في يقولون عائد على الذين أوتوا. وفي سبب النزول ان كعبا هو قائل هذه المقالة، والجملة من يؤمنون حال، ويقولون معطوف على يؤمنون فهي حال. ويحتمل أن يكون استئناف أخبار تبين التعجب منهم كأنه قال: ألا تعجب إلى حال الذين أوتوا نصيبا، فكأنه قيل: وما حالهم وهم قد أوتوا نصيبا من كتاب الله؟ فقال: يؤمنون بكذا، يقولون كذا. أي: أن أحوالهم متنافية. فكونهم أوتوا نصيبا من الكتاب يقتضي لهم أن لا يقعوا فيما وقعوا فيه، ولكن الحامل لهم على ذلك هو الحسد. واللام في للذين كفروا للتبليغ
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»