مالك: كان إسلام كعب الأحبار أنه مر برجل من الليل وهو يقرأ هذه الآية، فوضع كفه على وجهه ورجع القهقرى إلى بيته فأسلم مكانه، وقال: والله لقد خفت أن لا أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي. وقيل: الطمس المسخ لليهود قبل يوم القيامة ولا بد. وقيل: المراد أنه يحل بهم في القيامة، فيكون ذلك أنكى لهم لفضيحتهم بين الأولين والآخرين، ويكون ذلك أول ما عجل لهم من العذاب. وهذا إذا حمل طمس الوجوه على الحقيقة، وإما إن أريد بذلك تغيير أحوال وجهائهم أو وجوه الهدى والرشد، فقد وقع ذلك. وإن كان الطمس غير ذلك فقد حصل اللعن، فإ نهم ملعونون بكل لسان. وتعليق الإيمان بقبلية أحد أمرين لا يلزم منه وقوعهما، بل متى وقع أحدهما صح التعليق، ولا يلزم من ذلك تعيين أحدهما. وقيل: الوعيد مشروط بالإيمان، وقد آمن منهم ناس. ومن قبل: متعلق بآمنوا، وعلى أدبارها متعلق بفنردها.
وقال أبو البقاء: على أدبارها حال من ضمير الوجوه، والضمير المنصوب في نلعنهم.
قيل: عائد على الوجوه إن أريد به الوجهاء، أو عائد على أصحاب الوجوه، لأن المعنى: من قبل أن نطمس وجوه قوم، أو على الذين أوتوا الكتاب على طريق الالتفات، وهذا عندي أحسن. ومحسن هذا الالتفات هو أنه تعالى لما ناداهم كان ذلك تشريفا لهم، وهز السماع ما يلقيه إليهم، ثم ألقى إليهم الأمر بالإيمان بما نزل، ثم ذكر أن الذي نزل هو مصدق لما معهم من كتاب، فكان ذلك أدعى إلى الإيمان، ثم ذكر هذا الوعيد البالغ فحذف المضاف إليه من قوله: من قبل أن نطمس وجوها والمعنى: وجوهكم، ثم عطف عليه قوله: أو نلعنهم، فأتى بضمير الغيبة، لأن الخطاب حين كان الوعيد بطمس الوجوه وباللعنة ليس لهم ليبقى التأنيس والهم والاستدعاء إلى الإيمان غير مشوب بمفاجأة الخطاب الذي يوحش السامع ويروع القلب ويصير أدعى إلى عدم القبول، وهذا من جليل المخاطبة. وبديع المحاورة.
* (وكان أمر الله مفعولا) * الأمر هنا واحد الأمور، واكتفى به لأنه دال على الجنس، وهو عبارة عن المخلوقات: كالعذاب، واللعنة، والمغفرة. وقيل: المراد به المأمور، مصدر وقع موقع المفعول، والمعنى: الذي أراده أوجده. وقيل: معناه أن كل أمر أخر تكوينه فهو كائن لا محالة والمعنى: أنه تعالى لا يتعذر عليه شيء يريد أن يفعله. وقال: وكان إخبارا عن جريان عادة الله في تهديده الأمم السالفة، وأن ذلك واقع لا محالة، فاحترزوا وكونوا على حذر من هذا الوعيد. ولذلك قال الزمخشري: ولا بد أن يقع أحد الأمرين إن لم يؤمنوا يعني: الطمس واللعنة.
* (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * قال ابن الكلبي: نزلت في وحشي وأصحابه، وكان جعل له على قتل حمزة رضي الله عنه أن يعتق، فلم يوف له، فقدم مكة وندم على الذي صنعه هو وأصحابه، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم): إنا قد ندمنا على ما صنعنا، وليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا سمعناك تقول بمكة: * (والذين لا يدعون مع الله إلاها ءاخر) * الآيات وقد دعونا مع الله إلها آخر، وقتلنا النفس التي حرم الله، وزنينا، فلولا هذه الآيات لاتبعناك، فنزلت: * (إلا من تاب وءامن وعمل) * الآيات، فبعث بها إليهم فكتبوا: إن هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملا صالحا، فنزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية، فبعث بها إليهم، فبعثوا إنا نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته، فنزلت: * (قل ياأهل * عبادى * الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) * الآيات فبعث بها إليهم، فدخلوا في الإسلام، فقبل منهم ثم قال لوحشي:
أخبرني كيف قتلت حمزة)؟ فلما أخبره قال: * (حيث خرجت فول وجهك) * فلحق وحشي بالشام إلى أن مات.
وأجمع المسلمون على تخليد من مات كافرا في النار، وعلى تخليد من مات مؤمنا لم يذنب قط في الجنة. فأما تائب مات على توبته فالجمهور: على أنه لاحق بالمؤمن الذي لم يذنب، وطريقة بعض المتكلمين أنه في المشيئة. وأما مذنب مات قبل توبته فالخوارج تقول: هو مخلد في النار