سواء كان صاحب كبيرة أم صاحب صغيرة. والمرجئة تقول: هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته. والمعتزلة تقول: إن كان صاحب كبيرة خلد في النار. وأما أهل السنة فيقولون: هو في المشيئة، فإن شاء غفر له وأدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء عذبه وأخرجه من النار وأدخله الجنة بعد مخلدا فيها.
وسبب هذا الاختلاف تعارض عمومات آيات الوعيد وآيات الوعد، فالخوارج جعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كافرين ومؤمنين غير تائبين. وآيات الوعد مخصوصة في المؤمن الذي لم يذنب قط، أو المذنب التائب. والمرجئة جعلوا آيات الوعيد مخصوصة في الكفار، وآيات الوعد مخصوصة في المؤمن تقيهم وعاصيهم. وأهل السنة خصصوا آيات الوعيد بالكفر وبمن سبق في علمه أنه يعذبه من المؤمنين العصاة، وخصصوا آيات الوعد بالمؤمن الذي لم يذنب، وبالتائب، وبمن سبق في علمه العفو عنه من المؤمنين العصاة. والمعتزلة خصصوا آيات الوعد بالمؤمن الذي لم يذنب، وبالتائب. وآيات الوعيد بالكافر وذي الكبيرة الذي لم يتب.
وهذه الآية هي الحاكمة بالنص في موضع النزاع، وهي جلت الشك، وردت على هذه الطوائف الثلاث. فقوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به، والمعنى: أن من مات مشركا لا يغفر له، هو أصل مجمع عليه من الطوائف الأربع. وقوله: ويغفر ما دون ذلك، راد على الخوارج وعلى المعتزلة، لأن ما دون ذلك عام تدخل فيه الكبائر والصغائر. وقوله: لمن يشاء راد على المرجئة، إذ مدلوله أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم على ما شاء تعالى، بخلاف ما زعموه بأن كل مؤمن مغفور له. وأدلة هؤلاء الطوائف مذكورة في علم أصول الدين. وقد رامت المعتزلة والمرجئة رد هذه الآية إلى مقالاتهما بتأويلات لا تصح، وهي منافية لما دلت عليه الآية.
قال الزمخشري: (فإن قلت): قد ثبت أن الله عز وعلا يغفر الشرك لمن تاب منه، وأنه لا يغفر ما دون الشرك من الكبائر إلا بالتوبة، فما وجه قوله: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء؟ (قلت): الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله: لمن يشاء كأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك. على أن المراد بالأول من لم يتب، وبالثاني من تاب. ونظيره قولك: إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يستأهله انتهى كلامه. فتأول الآية على مذهبه. وقوله: قد ثبت أن الله عز وعلا يغفر الشرك لمن تاب عنه، هذا مجمع عليه. وقوله: وإنه لا يغفر ما دون الشرك من الكبائر إلا بالتوبة. فنقول له: وأين ثبت هذا؟ وإنما يستدلون بعمومات تحتمل التخصيص، كاستدلالهم بقوله: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) * الآية، وقد خصصها ابن عباس بالمستحل ذلك وهو كافر. وقوله: قال: فجزاؤه إن جازاه الله. وقال: الخلود يراد به المكث الطويل لا الديمومة لا إلى نهاية، وكلام العرب شاهد بذلك. وقوله: إن الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله: لمن يشاء، إن عنى أن الجار يتعلق بالفعلين، فلا يصح ذلك. وإن عنى أن يقيد الأول بالمشيئة كما قيد الثاني فهو تأويل. والذي يفهم من كلامه أن الضمير الفاعل في قوله: يشاء عائد على من، لا على الله. لأن المعنى عنده: أن الله لا يغفر الشرك لمن يشاء أن لا يغفر له بكونه مات على الشرك غير تائب منه، ويغفر ما دون الشرك من الكبائر لمن يشاء أن يغفر له بكونه تاب منها. والذي يدل عليه ظاهر الكلام أنه لا قيد في الفعل الأول بالمشيئة، وإن كانت جميع الكائنات متوقفا وجودها على مشيئته على مذهبنا. وأن الفاعل في يشاء هو عائد على الله تعالى، لا على من، والمعنى: ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء أن يغفر له. وفي قوله تعالى: لمن يشاء، ترجئة عظيمة بكون من مات على ذنب غير الشرك لانقطع عليه بالعذاب، وإن مات مصرا.
قال عبد الله بن عمر: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا له أنه من أهل النار، حتى نزلت هذه الآية، فأمسكنا عن الشهادات. وفي حديث عبادة بن الصامت في آخره (ومن أصاب