تخاف وتفتدي منه مهرها، فجاءت الآية على الأمر الغالب. وقيل: سمي بهتانا لأنه كان فرض لها المهر، واسترداده يدل على أنه يقول: لم أفرضه، وهذا بهتان. وانتصب بهتانا وإثما على أنهما مصدران في موضع الحال من الفاعل، التقدير: باهتين وآثمين. أو من المفعول التقدير: مبهتا محيرا لشنعته وقبح الأحدونة، أو مفعولين من أجلهما أي: أتأخذونه لبهتانكم وإثمكم؟ قال ذلك الزمخشري قال: وإن لم يكن غرضا كقولك: قعد عن القتال جبنا.
* (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) * وهذا استفهام إنكار أيضا، أنكر أولا الأخذ، ونبه على امتناع الأخذ بكونه بهتانا وإثما. وأنكر ثانيا حاله الأخذ، وأنها ليست مما يمكن أن يجامع حال الإفضاء، لأن الإفضاء وهو المباشرة والدنو الذي ما بعده دنو، يقتضي أن لا يؤخذ معه شيء مما أعطاه الزوج، ثم عطف على الإفضاء أخذ النساء الميثاق الغليظ من الأزواج. والإفضاء: الجماع قاله، ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، والسدي. وقال عمر، وعلي، وناس من الصحابة، والكلبي، والفراء: هي الخلوة والميثاق، هو قوله تعالى: * (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * قاله: ابن عباس، والحسن، والضحاك، وابن سيرين، والسدي، وقتادة. قال قتادة: وكان يقال للنكاح في صدر الإسلام: عليكم لتمسكن بمعروف، أو لتسرحن بإحسان. وقال مجاهد وابن زيد: الميثاق كلمة الله التي استحللتم بها فروجهن، وهي قول الرجل: نكحت وملكت النكاح ونحوه. وقال عكرمة: هو قوله صلى الله عليه وسلم): (استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) وقال قوم: الميثاق الولد، إذ به تتأكد أسباب الحرمة وتقوى دواعي الألفة. وقيل: ما شرط في العقد من أن على كل واحد منهما تقوى الله، وحسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف، وما جرى مجرى ذلك. وقال الزمخشري: الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة، كأنه قيل: وأخذن به منكم ميثاقا غليظا، أي بإفضاء بعضكم إلى بعض. ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه، فقد قالوا: صحبه عشرين يوما قرابة، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟ انتهى كلامه.
* (ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) * تقدم ذكر شيء من سبب نزول هذه الآية في قوله: * (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) * وقد ذكروا قصصا مضمونها: أن من العرب من كان يتزوج امرأة أبيه، وسموا جماعة تزوجوا زوجات آبائهم بعد موت آبائهم، فأنزل الله تحريم ذلك. وتقدم الخلاف في النكاح: أهو حقيقة في الوطء، أم في العقد، أم مشترك؟ قالوا: ولم يأت النكاح بمعنى العقد إلا في * (فانكحوهن بإذن أهلهن) * وهذا الحصر منقوض بقوله: * (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) *. واختلف في ما من قوله: ما نكح. فالمتبادر إلى الذهن أنها مفعوله، وأنها واقعة على النوع كهي في قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * أي: ولا تنكحوا النوع الذي نكح آباؤكم. وقد تقرر في علم العربية أن ما تقع على أنواع من يعقل، وهذا على مذهب من يمنع وقوعها على آحاد من يعقل. أما من يجيز ذلك فإنه يتضح حمل ما في اة ية عليه، وقد زعم أنه مذهب سيبويه. وعلى هذا المفهوم من إطلاق ما على منكوحات الآباء تلقت الصحابة الآية واستدلوا بها على تحريم نكاح الأبناء حلائل الآباء. قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين فنزلت هذه الآية في ذلك. وقال ابن عباس: كل امرأة تزوجها أبوك دخل بها أو لم يدخل، فهي عليك حرام.
وقال قوم: ما مصدرية. والتقدير: ولا تنكحوا نكاح آبائكم أي: مثل نكاح آبائكم الفاسد، أو الحرام الذي كانوا يتعاطونه في الجاهلية كالشغار وغيره، كما تقول: ضربت ضرب الأمير أي: مثل ضرب الأمير. ويبين كونه حراما أو فاسدا قوله: * (إنه كان فاحشة) * واختار هذا القول محمد بن جرير قال: ولو كان معناه ولا