تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٦
* لقد كان في حول ثواء ثويته * تقضي لبانات ويسأم سائم * وهذا الذي ذكره الكسائي بالعكس، فلو كان هذا التركيب: كتب عليكم شهر رمضان صيامه، لكان البدل إذ ذاك صحيحا وعكس، ويمكن توجيه قول الكسائي على أن يكون على حذف مضاف، فيكون من بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة تقديره: صيام شهر رمضان، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، لكن في ذلك مجاز الحذف والفصل الكثير بالجمل الكثيرة، وهو بعيد، ويجوز على بعد أن يكون بدلا من أيام معدودات، على قراءة عبد الله، فإنه قرأ: أيام معدودات، بالرفع على أنها اخبر مبتدأ محذوف، أي: المكتوب صومه أيام معدودات. ذكر هذه القراءة أبو عبد الله الحسين بن خالويه في كتاب (البديع) له في القرآن؛ وانتصاب شهر رمضان على قراءة من قراء ذلك على إضمار فعل تقديره: صوموا شهر رمضان، وجوزوا فيه أن يكون بدلا من قوله: * (أياما معدودات) * قاله الأخفش، والرماني وفيه بعد لكثرة الفصل، وأن يكون منصوبا على الإغراء تقديره إلزموا شهر رمضان، قاله أبو عبيدة والحوفي، ورد بأنه لم يتقدم للشهر ذكر وإن كان منصوبا بقوله: * (وأن تصوموا) * حكاه ابن عطية وجوزه الزمخشري قال: وقرئ بالنصب على: صوموا شهر رمضان، أو على الإبدال من: * (أياما معدودات) *، أو على أنه مفعول، وأن تصوموا. انتهى. كلامه؛ وهذا لا يجوز، لأن تصوموا صلة لأن، وقد فصلت بين معمول الصلة وبينها بالخبر الذي هو خير، لأن تصوموا في موضع مبتدأ، أي: وصيامكم خير لكم، ولو قلت: أن يضرب زيدا شديد، وأن تضرب شديد زيدا، لم يجز.
وأدغمت فرقة شهر رمضان. قال ابن عطية: وذلك لا تقتضيه الأصول لاجتماع الساكنين فيه، يعني بالأصول أصول ما قرره أكثر البصريين، لأن ما قبل الراء في شهر حرف صحيح، فلو كان في حرف علة لجاز بإجماع منهم، نحو: هذا ثوب بكر، لأن فيه لكونه حرف علة مدا أما، ولم تقصر لغة العرب على ما نقله أكثر البصريين، ولا على ما اختاروه، بل إذا صح النقل وجب المصير إليه..
* (الذى أنزل فيه القرآن) *: تقدم اعرابه، وظاهره أنه ظرف لإنزال القرآن، والقرآن يعم الجميع ظاهرا، ولم يبين محل الإنزال، فعن ابن عباس أنه أنزل جميعه إلى سماء الدنيا ليلة أربع وعشرين من رمضان، ثم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم) منجما.
وقيل: الإنزال هنا هو على رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وذلك في الرابع والعشرين من رمضان.
أو تكون الألف واللام فيه لتعريف الماهية، كما تقول: أكلت اللحم، لا تريد استغراق الأفراد، إنما تريد تعريف الماهية. وقيل معنى: * (أنزل فيه القرآن) * أن جبريل كان يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رمضان بما أنزل الله عليه، فيمحو الله ما يشاء ويثبت ما يشاء قاله الشعبي؛ فيكون الإنزال عبر به عن المعارضة.
وقيل: أنزل في فرضية صومه القرآن، وفي شأنه القرآن، كما تقول: أنزل في عائشة قرآن. والقرآن الذي نزل هو قوله: * (رحيم يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام) * قاله مجاهد، والضحاك. وقال سفيان بن عيينة في فضله وقيل: المعنى. * (أنزل فيه القرآن) * أي أنزل من اللوح المحفوظ إلى السفرة في سماء الدنيا في ليلة القدر من عشرين شهر، أو نزل به جبريل في عشرين سنة
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»