تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٦٥٣
حلالا، قال ابن عطية: وهذا بعيد ولم يبين وجه بعده، وبعده أنه مما حذف الموصوف، وصفته غير خاصة، لأن الحلال يتصف به المأكول وغير المأكول. وإذا كانت الصفة هكذا، لم يجز حذف الموصوف وإقامتها مقامه. وأجاز قوم أن ينتصب حلالا على أنه مفعول بكلوا، وبه ابتدأ الزمخشري. ويكون على هذا الوجه من لابتداء الغاية متعلقة بكلوا، أو متعلقة بمحذوف، فيكون حالا، والتقدير: كلوا حلالا مما في الأرض. فلما قدمت الصفة صارت حالا، فتعلقت بمحذوف، كما كانت صفة تتعلق بمحذوف. وقال ابن عطية: مقصد الكلام لا يعطي أن تكون حلالا مفعولا بكلوا، تأمل. انتهى.
طيبا: انتصب صفة لقوله: حلالا، إما مؤكدة لأن معناه ومعنى حلالا واحد، وهو قول مالك وغيره، وإما مخصصة لأن معناه مغاير لمعنى الحلال وهو المستلذ، وهو قول الشافعي وغيره. ولذلك يمنع أكل الحيوان القذر وكل ما هو خبيث. وقيل: انتصب طيبا على أنه نعت لمصدر محذوف، أي أكلا طيبا، وهو خلاف الظاهر. وقال ابن عطية: ويصح أن يكون طيبا حالا من الضمير في كلوا تقديره: مستطيبين، وهذا فاسد في اللفظ والمعنى. أما اللفظ فلأن طيبا اسم فاعل وليس بمطابق للضمير، لأن الضمير جمع، وطيب مفرد، وليس طيب بمصدر، فيقال: لا يلزم المطابقة. وأما المعنى: فلأن طيبا مغاير لمعنى مستطيبين، لأن الطيب من صفات المأكول، والمستطيب من صفات الآكل. تقول: طاب لزيد الطعام، ولا تقول: طاب زيد الطعام، في معنى استطابة. وقال الزمخشري في قوله طيبا: طاهرا من كل شبهة. وقال السجاوندي: حلالا مطلق الشرع، طيبا مستلذ الطبع. وقال في المنتخب ما ملخصه: الحلال: الذي انحلت عنه عقدة الخطر، إما لكونه حراما لجنسه كالميتة، وإما لا لجنسه كملك الغير، إذ لم يأذن في أكله. والطيب لغة الطاهر، والحلال يوصف بأنه طيب، كما أن الحرام يوصف بأنه خبيث، والأصل في الطيب ما يستلذ، ووصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه، لأن النجس تكرهه النفس، والحرام لا يستلذ، لأن الشرع منه. انتهى. والثابت في اللغة: أن الطيب هو الطاهر من الدنس. قال:
والطيبون معاقد الأزر وقال آخر * ولي الأصل الذي في مثله * يصلح الآبر زرع المؤتبر طيبوا الباءة سهل ولهم سبل إن شئت في وحش وعر * وقال الحسن: الحلال الطيب: هو ما لا يسئل عنه يوم القيامة. وقال ابن عباس: الحلال الذي لا تبعة فيه في الدنيا ولا وبال في الآخرة. وقيل: الحلال ما يجوزه المفتي، والطيب ما يشهد له القلب بالحل. وقد استدل من قال بأن الأصل في الأشياء الحظر بهذه الآية، لأن الأشياء ملك الله تعالى، فلا بد من إذنه فيما يتناول منها، وما عدا ما لم يأذن فيه يبقى على الحظر. وظاهر الآية أن ما جمع الوصفين الحل والطيب مما في الأرض، فهو مأذون في أكله. أما تملكه والتصدق به، أو ادخاره، أو سائر الانتفاعات به غير الأكل، فلا تدل عليه الآية. فإما أن يجوز ذلك بنص آخر، أو إجماع عند من لا يرى القياس، أو بالقياس على الأكل عند من يقول بالقياس.
* (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * وقرأ ابن عامر والكسائي وقنبل وحفص وعباس، عن أبي عمرو والبرجمي، عن أبي بكر: بضم الخاء والطاء وبالواو. وقرأ باقي السبعة: بضم الخاء وإسكان الطاء وبالواو. وقرأ أبو السمال: خطوات، بضم الخاء وفتح الطاء وبالواو. وقد تقدم أن هذه لغى ثلاث في جمع خطوة. ونقل ابن عطية والسجاوندي أن أبا السمال قرأ: خطوات، بفتح الخاء والطاء وبالواو، جمع خطوة، وهي المرة من
(٦٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 648 649 650 651 652 653 654 655 656 657 658 ... » »»