على أنها نعت لمصدر محذوف. واختلف في تقديره، فقيل التقدير: ولأتم نعمتي عليكم إتماما مثل إتمام إرسال فيكم. ومتعلق الإتمامين مختلف، فالإتمام الأول بالثواب في الآخرة، والإتمام الثاني بإرسال الرسول إلينا في الدنيا. أو الإتمام الأول بإجابة الدعوة الأولى لإبراهيم في قوله: * (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) *، والإتمام الثاني بإجابة الدعوة الثانية في قوله: * (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم) *، وقيل: التقدير: ولعلكم تهتدون اهتداء مثل إرسالنا فيكم رسولا، ويكون تشبيه الهداية بالإرسال في التحقق والثبوت، أي اهتداء ثابتا متحققا، كتحقق إرسالنا فيكم رسولا، ويكون تشبيه الهداية بالإرسال في التحقق والثبوت، أي اهتداء ثابتا متحققا، كتحقق إرسالنا وثبوته. وقيل: متعلق بقوله: * (وكذالك جعلناكم أمة وسطا) *، أي جعلا مثل ما أرسلنا، وهو قول أبي مسلم، وهذا بعيد جدا، لكثرة الفصل المؤذن بالانقطاع. وقيل: الكاف في موضع نصب على الحال من نعمتي، أي: * (ولاتم نعمتى عليكم) * مشبهة إرسالنا فيكم رسولا، أي مشبهة نعمة الإرسال، فيكون على حذف مضاف. وقيل: الكاف منقطعة من الكلام قبلها، ومتعلقة بالكلام بعدها، والتقدير: قال الزمخشري: كما ذكرتكم بإرسال الرسول، فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب. انتهى. فيكون على تقدير مصدر محذوف، وعلى تقدير مضاف، أي اذكروني ذكرا مثل ذكرنا لكم بالإرسال، ثم صار مثل ذكر إرسالنا، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وهذا كما تقول: كما أتاك فلان فائته بكرمك، وهذا قول مجاهد وعطاء والكلبي ومقاتل، وهو اختيار الأخفش والزجاج وابن كيسان والأصم، والمعنى: أنكم كنتم على حالة لا تقرؤون كتابا، ولا تعرفون رسولا، ومحمد صلى الله عليه وسلم) رجل منكم، أتاكم بأعجب الآيات الدالة على صدقه فقال: (كما أوليتكم هذه النعمة وجعلتها لكم دليلا، فاذكروني بالشكر، أذكركم برحمتي)، ويؤكده: * (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) *. ويحتمل على هذا الوجه، بل يظهر، وهو إذا علقت بما بعدها أن، لا تكون الكاف للتشبيه بل للتعليل، وهو معنى مقول فيها إنها ترد له وحمل على ذلك قوله تعالى: * (واذكروه كما هداكم) *، وقول الشاعر:
لا تشتم الناس كما لا تشتم أي: واذكروه لهدايته إياكم، ولا تشتم الناس لكونك لا تشتم، أي امتنع من شتم الناس لامتناع الناس من شتمك. وما: في كما، مصدرية، وأبعد من زعم أنها موصولة بمعنى الذي، والعائد محذوف، ورسولا بدل منه، والتقدير: كالذي أرسلناه رسولا، إذ يبعد تقرير هذا التقدير مع الكلام الذي قبله، ومع الكلام الذي بعده، وفيه وقوع ما على آحاد من يعقل. وكذلك جعل ما كافة، لأنه لا يذهب إلى ذلك إلا حيث لا يمكن أن ينسبك منها مع ما بعدها مصدر، لولايتها الجمل الإسمية، نحو قول الشاعر:
* لعمرك إنني وأبا حميد * كما النشوان والرجل الحليم * وقول من قال إن: كما أرسلنا، متعلق بما بعده، قد رده أبو محمد مكي بن أبي طالب، قال: لأن الأمر إذا كان له جواب، لم يتعلق به ما قبله لاشتغاله بجوابه، قال:
لو قلت كما أحسنت إليك فأكرمني أكرمك، لم تتعلق الكاف من كما بأكرمني، لأن له جوابا، ولكن تتعلق بشيء آخر، أو بمضمر، وكذلك: فاذكروني أذكركم، هو أمر له جواب، فلا تتعلق كما به، ولا يجوز ذلك إلا على التشبيه بالشرط الذي يجاوب بجوابين، وهو قولك: إذا أتاك فلان فائته ترضه، فتكون