تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٦١٦
واحدة، ولا يجوز ذلك إلى علي مذهب الأخفش. وزعم أبو عبيد معمر بن المثنى أن في إلا الآية بمعنى الواو، وجعل من ذلك قوله:
* ما بالمدينة دار غير واحدة * دار الخليفة إلا دار مروانا * وقوله:
* وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان * التقدير: عنده والذين ظلموا، ودار مروان والفرقدان وإثبات إلا بمعنى الواو، لا يقوم عليه دليل، والاستثناء سائغ فيما ادعى فيه أن إلا بمعنى الواو، وكان أبو عبيدة يضعف في النحو. وقال الزجاج: هذا خطأ عند حذاق النحويين، وأضعف من هذا زعم أن إلا بمعنى بعد، أي بعد الذين ظلموا، وجعل من ذلك * (إلا ما قد سلف) *، أي بعد ما قد سلف، و * (إلا الموتة الاولى) *، أي بعد الموتة الأولى، ولولا أن بعض المفسرين ذكر هذين القولين، ما ذكرتهما لضعفهما. * (فلا تخشوهم واخشونى) *: هذا فيه تحقير لشأنهم، وأمر باطراحهم، ومراعاة لأمره تعالى. وضمير المفعول في فلا تخشوهم يحتمل أن يعود على الناس، أي فلا تخشوا الناس، وأن يعود على الذين ظلموا، أي فلا تخشوا الظالمين. ونهى عن خشيتهم فيما يزخرفونه من الكلام الباطل، فإنهم لا يقدرون على نفع ولا ضر. وأمر بخشيته هو في ترك ما أمرهم به من التوجه إلى المسجد الحرام. وقيل: المعنى فلا تخشوهم في المباينة، واخشوني في المخالفة، ومعناه قريب من الأول. وقد ذكرنا شرح هاتين الجملتين في ذكر قراءة ابن عباس بقريب من هذا. وقال السدي: معناه لا تخشوا أن أردكم في دينكم واخشوني، وهذا الذي قاله لا يساعده قوله: فلا تخشوهم. قال بعضهم: ذكر الخشية هنا ولم يذكر الخوف، لأن الخشية حذر من أمر قد وقع، والخوف حذر من أمر لم يقع. والذي تدل عليه اللغة والاستعمال أن الخشية والخوف مترادفان، وقال تعالى: * (فلا تخافوهم وخافون) *، كما قال هنا: * (فلا تخشوهم واخشونى) *.
* (ولاتم نعمتى عليكم) *: الظاهر أنه معطوف على قوله: * (لئلا يكون) *، وكان المعنى: عرفناكم وجه الصواب في قبلتكم، والحجة لكم لانتفاء حجج الناس عليكم، ولإتمام النعمة، فيكون التعريف معللا بهاتين العلتين، والفصل بالاستثناء وما بعده كلا فصل، إذ هو من متعلق العلة الأولى. وقيل: هو معطوف على علة محذوفة، وكلاهما معلولهما الخشية السابقة، كأنه قيل: واخشوني لأوقفكم ولأتم نعمتي عليكم. وقيل: تتعلق اللام بفعل مؤخر، التقدير: ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي، ومن زعم أن الواو زائدة، فقوله ضعيف. وإتمام النعمة بما هداهم إليه من القبلة، أو بما أعده لهم من ثواب الطاعة، أو بما حصل للعرب من الشرف بتحويل القبلة إلى الكعبة، أو بإبطال حجج المحتجين عليهم، أو بإدخالهم الجنة، أو بالموت على الإسلام، أو النعمة سنة الإسلام، والقرآن، ومحمد صلى الله عليه وسلم)، والستر، والعافية، والغنى عن الناس؛ أو بشرائع الملة الحنيفية، أقوال ثمانية صدرت مصدر المثال، لا مصدر التعيين، وكل فيها نعمة. * (ولعلكم تهتدون) *: تقدم القول في لعل بالنسبة إلى مجيئها من الله تعالى في قوله: * (والذين من قبلكم لعلكم تتقون) *، في أول البقرة، وهو أول مواقعها فيه. والمعنى: لتكونوا على رجاء إدامة هدايتي إياكم على استقبال الكعبة، أو لكي تهتدوا إلى قبلة أبيكم إبراهيم، والظاهر رجاء الهداية مطلقا.
* (كما أرسلنا فيكم) *: الكاف هنا للتشبيه، وهي في موضع نصب
(٦١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 611 612 613 614 615 616 617 618 619 620 621 ... » »»