تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٦١١
أمر المسلمون بالتوجه إليها، وهي الكعبة، وذكر من تصميم أهل الكتاب على عدم اتباعها، وأن كلا من طائفتي اليهود والنصارى مصممة على عدم اتباع صاحبها، أعلم أن ذلك هو بفعله، وأنه هو المقدر ذلك، وأنه هو موجه كل منهم إلى قبلته. ففي ذلك تنبيه على شكر الله، إذ وفق المسلمين إلى اتباع ما أمر به من التوجه واختارهم لذلك. وقرأ الجمهور: ولكل: منونا، وجهة: مرفوعا، هو موليها: بكسر اللام اسم فاعل. وقرأ ابن عامر: هو مولاها، بفتح اللام اسم مفعول وهي، قراءة ابن عباس. وقرأ قوم شاذا: ولكل وجهة، بخفض اللام من كل من غير تنوين، وجهة: بالخفض منونا على الإضافة، والتنوين في كل تنوين عوض من الإضافة، وذلك المضاف إليه كل المحذوف اختلف في تقديره. فقيل: المعنى: ولكل طائفة من أهل الأديان. وقيل: المعنى: ولكل أهل صقع من المسلمين وجهة من أهل سائر الآفاق، إلى جهة الكعبة، وراءها وقدامها، ويمينها وشمالها، ليست جهة من جهاتها بأولى أن تكون قبلة من غيرها. وقيل: المعنى: ولكل نبي قبله، قاله ابن عباس. وقيل: المعنى: ولكل ملك ورسول صاحب شريعة جهة قبلة، فقبلة المقربين العرش، وقبلة الروحانيين الكرسي، وقبلة الكروبيين البيت المعمور، وقبلة الأنبياء قبلك بيت المقدس، وقبلتك الكعبة، وقد اندرج في هذا الذي ذكرناه أن المراد بوجهه: قبلة، وهو قول ابن عباس، وهي قراءة أبي، قرأ: ولكل قبلة. وقرأ عبد الله: ولكل جعلنا قبلة. وقال الحسن: وجهة: طريقة، كما قال: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) *، أي لكل نبي طريقة. وقال قتادة: وجهة: أي صلاة يصلونها، وهو من قوله: هو موليها عائد على كل على لفظه، لا على معناه، أي هو مستقبلها وموجه إليها صلاته التي يتقرب بها، والمفعول الثاني لموليها محذوف لفهم المعنى، أي هو موليها وجهه أو نفسه، قاله ابن عباس وعطاء والربيع، ويؤيد أن هو عائد على كل قراءة من قرأ: هو مولاها. وقيل: هو عائد على الله تعالى، قاله الأخفش والزجاج ، أي الله موليها إياه، اتبعها من اتبعها وتركها من تركها. فمعنى هو موليها على هذا التقدير: شارعها ومكلفهم بها. والجملة من الابتداء والخبر في موضع الصفة لوجهة. وأما قراءة من قرأ: ولكل وجهة على الإضافة، فقال محمد بن جرير: هي خطأ، ولا ينبغي أن يقدم على الحكم في ذلك بالخطأ، لا سيما وهي معزوة إلى ابن عامر، أحد القراء السبعة، وقد وجهت هذه القراءة. قال الزمخشري: المعنى: ولكل وجهة الله موليها، فزيدت اللام لتقدم المفعول، كقولك: لزيد ضربت، ولزيد أبوه ضاربه. انتهى كلامه، وهذا فاسد لأن العامل إذا تعدى لضمير الاسم لم يتعد إلى ظاهره المجرور باللام. لا يجوز أن يقول: لزيد ضربته، ولا: لزيد أنا ضاربه. وعليه أن الفعل إذا تعدى للضمير بغير واسطة. كان قويا، واللام إنما تدخل على الظاهر إذا تقدم ليقويه لضعف وصوله إليه متقدما، ولا يمكن أن يكون العامل قويا ضعيفا في حالة واحدة، ولأنه يلزم من ذلك أن يكون المتعدي إلى واحد يتعدى إلى اثنين، ولذلك تأول النحويون قوله هذا:
سراقة للقرآن يدرسه وليس نظير ما مثل به من قوله: لزيد ضربت، أي زيدا ضربت، لأن ضربت في هذا المثال لم يعمل في ضمير زيد، ولا يجوز أن يقدر عامل في لكل وجهة يفسره قوله موليها، كتقديرنا زيدا أنا ضاربه، أي اضرب زيدا أنا ضاربه، فتكون المسألة من باب الاشتغال، لأن المشتغل عنه لا يجوز أن يجر بحرف الجر. تقول: زيدا مررت به، أي
(٦١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 606 607 608 609 610 611 612 613 614 615 616 ... » »»