الذي أدنت بتقديره اللام في لئن، ودل على جواب الشرط، لا يقال: إنه يكون جوابا لهما، لامتناع ذلك لفظا ومعنى. أما المعنى، فلأن الاقتضاء مختلف. فاقتضاء القسم على أنه لا عمل له فيه، لأن القسم إنما جيء به توكيدا للجملة المقسم عليها، وما جاء على سبيل التوكيد لا يناسب أن يكون عاملا، واقتضاء الشرط على أنه عامل فيه، فتكون الجملة في موضع جزم، وعمل الشرط لقوة طلبه له. وأما اللفظ، فإن هذه الجملة إذا كانت جواب قسم، لم يحتج إلى مزيد رابط، وإذا كانت جواب شرط، احتاجت لمزيد رابط، وهو الفاء. ولا يجوز أن تكون خالية من الفاء موجودة فيها الفاء، فلذلك امتنع أن يقال إن الجملة جواب للقسم والشرط معا. ودخلت إذا بين اسم إن وخبرها لتقرير النسبة التي بينهما، وكان حدها أن تتقدم أو تتأخر. فلم تتقدم، لأنه سبق قسم وشرط، والجواب هو للقسم. فلو تقدمت، لتوهم أنها لتقرير النسبة التي بين الشرط والجواب المحذوف، ولم يتأخر، لئلا تفوت مناسبة الفواصل وآخر الآي: فتوسطت والنية بها التأخير لتقرير النسبة. وتحرير معنى إذن صعب، وقد اضطرب الناس في معناها، وقد نص سيبويه على أن معناها الجواب والجزاء. واختلف النحويون في فهم كلام سيبويه، وقد أمعنا الكلام في ذلك في (كتاب التكميل) من تأليفنا، والذي تحصل فيها أنها لا تقع ابتداء كلام، بل لا بد أن يسبقها كلام لفظا أو تقديرا، وما بعدها في اللفظ أو التقدير، وإن كان مسببا عما قبلها، فهي في ذلك على وجهين: أحدهما: أن تدل على إنشاء الارتباط والشرط، بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها. مثال ذلك أزورك فتقول: إذا أزورك، فإنما تريد الآن أن تجعل فعله شرطا لفعلك. وإنشاء السببية في ثاني حال من ضرورته أن يكون في الجواب، وبالفعلية في زمان مستقبل، وفي هذا الوجه تكون عاملة، ولعملها مذكورة في النحو. الوجه الثاني: أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمتقدم، أو منبهة على مسبب شروط حصل في الحال، وهي في الحالين غير عاملة، لأن المؤكدات لا يعتمد عليها، والعامل يعتمد عليه، وذلك نحو: إن تأتني إذن آتك، ووالله إذن لأفعلن. فلو أسقطت إذن، لفهم الارتباط. ولما كانت في هذا الوجه غير معتمد عليها، جاز دخولها على الجملة الاسمية الصريحة نحو: أزورك فتقول: إذن أنا أكرمك، وجاز توسطها نحو: أنا إذا أكرمك، وتأخرها. وإذا تقرر هذا، فجاءت إذا في الآية مؤكدة للجواب المرتبط بما تقدم، وإنما قررت معناها هنا لأنها كثيرة الدور في القرآن، فتحمل في كل موضع على ما يناسب من هذا الذي قررناه.
* (الذين ءاتيناهم الكتاب) *: هم علماء اليهود والنصارى، أو من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم) من اليهود، كابن سلام وغيره، أو من آمن به مطلقا، أقوال. والكتاب: التوراة، أو الإنجيل، أو مجموعهما، أو القرآن. أقوال تنبني على من المراد بالذين آتيناهم، ولفظ آتيناهم أبلغ من أوتوا، لإسناد الإيتاء إلى الله تعالى، معبرا عنه بنون العظمة، وكذا ما يجيء من نحو هذا، مرادا به الإكرام نحو: هدينا، واجتبينا، واصطفينا. قيل: ولأن أوتوا قد يستعمل فيما لم يكن له قبول، وآتيناهم أكثر ما يستعمل فيما له قبول نحو: * (الذين ءاتيناهم الكتاب والحكم والنبوة) *، وإذا أريد بالكتاب أكثر من واحد، فوحد، لأنه صرف إلى المكتوب المعبر عنه بالمصدر.
* (يعرفونه) *: جملة في موضع الخبر عن المبتدأ الذي هو الذين آتيناهم، وجوز أن يكون الذين مجرورا على أنه صفة للظالمين، أو على أنه بدل من الظالمين، أو على أنه بدل من * (الذين أوتوا الكتاب) * في الآية التي قبلها، ومرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هم الذين، ومنصوبا على إضمار، أعني: وعلى هذه الأعاريب يكون قوله: * (يعرفونه) *، جملة في موضع الحال، إما من المفعول الأول في آتيناهم، أو من الثاني الذي هو الكتاب، لأن في يعرفونه ضميرين يعودان عليهما. والظاهر هو الإعراب الأول، لاستقلال الكلام جملة منعقدة من مبتدأ وخبر، ولظاهر انتهاء الكلام عند قوله: * (إنك إذا لمن الظالمين) *. والضمير المنصوب في يعرفونه عائد على النبي صلى الله عليه وسلم)، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما.