قولان: أحدهما، القرآن والآخر السنة، لأنها المبينة لما أنبهم من الكتاب، والمظهرة لوجوه الأحكام. ويكون المعنى، والله أعلم، في قوله: * (يتلو عليهم * ءاياتك) *، أي يفصح لهم عن ألفاظه ويوقفهم بقراءته على كيفية تلاوته، كما قال صلى الله عليه وسلم) لأبي: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن)، وذلك لأن يتعلم أبي منه صلى الله عليه وسلم) كيفية أداء القرآن ومقاطعه ومواصلة. وفي قوله: * (ويعلمهم الكتاب) *، أي يبين لهم وجوه أحكامه: حلاله وحرامه، ومفروضه، ومسنونه، ومواعظه، وأمثاله، وترغيبه، وترهيبه، والحشر، والنشر، والعقاب، والثواب، والجنة والنار. وفي قوله: والحكمة، أي السنة تبين ما في الكتاب من المجمل، وتوضح ما أنبهم من المشكل، وتفصح عن مقادير، وعن إعداد مما لم يتعرض الكتاب إليه، ويثبت أحكاما لم يتضمنها الكتاب. * (ويزكيهم) * باطنا من أرجاس الشرك وأنجاس الشك، وظاهرا بالتكاليف التي تمحص الآثام وتوصل الأنعام. قال ابن عباس: التزكية: الطاعة والإخلاص. وقال ابن جريج: يطهرهم من الشرك. وقيل: يأخذ منهم الزكاة التي تكون سببا لطهارتهم. وقيل: يدعوا إلى ما يصيرون به أزكياء. وقيل: يشهد لهم بالتزكية من تزكية العدول، ومعنى الزكاة لا تخرج عن التطهير أو التنمية.
* (إنك أنت العزيز الحكيم) *، العزيز: الغالب، أو المنيع الذي لا يرام، قاله المفضل بن سلمة، أو الذي لا يعجزه شيء، قاله ابن كيسان، أو الذي لا مثل له، قاله ابن عباس، أو المنتقم، قاله الكلبي، أو القوي، ومنه فعززنا بثالث، أو المعز ومنه: * (وتعز من تشاء) *. الحكيم: قد تقدم تفسير الحكيم في قصة الملائكة وآدم في قوله: * (إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) *. وأنت: يجوز فيها ما جاز في * (أنت السميع العليم) * قبل من الأعاريب. وهاتان الصفتان متناسبتان لما قبلهما، لأن إرسال رسول متصف بالأوصاف التي سألها إبراهيم لا تصدر إلا عمن اتصف بالعزة، وهي الغلبة أو القوة، أو عدم النظير، وبالحكمة التي هي إصابة مواقع الفعل، فيضع الرسالة في أشرف خلقه وأكرمهم عليه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وتقدمت صفة العزيز على الحكيم لأنها من صفات الذات، والحكيم من صفات الأفعال، ولكون الحكيم فاصلة كالفواصل قبلها. وفي المنتخب: يتلو عليهم آياتك: هي القرآن. وقيل: الأعلام الدالة على وجود الصانع وصفاته. ومعنى التلاوة: تذكيرهم بها ودعاؤهم إليها وحملهم على الإيمان بها، وحكمة التلاوة: بقاء لفظها على الألسنة، فيبقى مصونا عن التحريف والتصحيف، وكون نظمها ولفظها معجزا، وكون تلاوتها في الصلوات وسائر العبادات نوع عبادة إلا أن الحكمة العظمى تعليم ما فيه من الدلائل والأحكام. وقال القفال، عبر بعض الفلاسفة عن الحكمة، بأنها التشبه بالإله بقدر الطاقة البشرية، وقيل الحكمة المتشابهات. وقيل: الكتاب أحكام الشرائع، والحكمة وجوه المصالح والمنافع فيها، وقيل: كلها صفات للقرآن، هو آيات، وهو كتاب وهو حكمة. انتهى ما لخص من المنتخب.
* (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) *: روي أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما: قد علمتما أن الله قال في التوراة : إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد، من آمن به فقد اهتدى ورشد، ومن لم يؤمن به فهو ملعون، فأسلم سلمة وأبى مهاجر، فأنزل الله هذه الآية. ومن: اسم استفهام في موضع رفع على الابتداء، وهو استفهام معناه: الإنكار، ولذلك دخلت إلا بعده. والمعنى: لا أحد يرغب، فمعناه النفي العام. ومن سفه: في موضع رفع بدل من الضمير المستكن في يرغب، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الاستثناء، والرفع أجود على البدل، لأنه استثناء من غير موجب، ومن في من سفه