أثر أصابعه وعقبه وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم، حكاه القشيري. أو حجر جاءت به أم إسماعيل إليه وهو راكب، فاغتسل عليه، فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه، قاله الربيع بن أنس؛ أو مواقف الحج كلها، قاله ابن عباس أيضا وعطاء ومجاهد، أو عرفة والمزدلفة والجمار، قاله عطاء والشعبي، لأنه قام في هذه المواضع ودعا فيها؛ أو الحرم له، قاله النخعي ومجاهد؛ أو المسجد الحرام، قاله قوم. واتفق المحققون على القول الأول ورجح بحديث عمر: أفلا نتخذه مصلى؟ الحديث، وبقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم) د لما فرغ من الطواف وأتى المقام: * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) *، فدل على أن المراد منه ذلك الموضع، ولأن هذا الاسم في العرف مختص بذلك الموضع، ولأن الحجر صار تحت قدميه في رطوبة الطين حين غاصت فيه رجلاه، وفي ذلك معجزة له، فكان اختصاصه به أقوى من اختصاص غيره. فكان إطلاق هذا الاسم عليه أولى، ولأن المقام هو موضع القيام، وثبت قيامه على الحجر ولم يثبت على غيره. مصلى: قبلة، قاله الحسن. موضع صلاة، قاله قتادة. موضع دعاء، قاله مجاهد، والأولى الحمل على الصلاة الشرعية لا على الصلاة لغة. قال ابن عطية: موضع صلاة على قول من قال المقام: الحجر، ومن قال غيره قال: مصلى، مدعى على أصل الصلاة، يعني في اللغة. انتهى.
* (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل) * أي أمرنا أو وصينا، أو أوحينا، أو قلنا أقوال متقاربة المعنى. * (أن طهرا) *: يحتمل أن تكون أن تفسيرية، أي طهرا، ففسر بها العهد، ويحتمل أن تكون مصدرية، أي بأن طهرا. فعلى الأول لا موضع لها من الإعراب، وعلى الثاني يحتمل الجر والنصب على اختلاف النحويين. إذا حذف من أن حرف الجر، هل المحل نصب أو خفض؟ وقد تقدم لنا الكلام مرة في وصل أن بفعل الأمر، وأنه نص على ذلك سيبويه وغيره، وفي ذلك نظر، لأن جميع ما ذكر من ذلك محتمل، ولا أحفظ من كلامهم: عجبت من أن أضرب زيدا، ولا يعجبني أن أضرب زيدا، فتوصل بالأمر، وون انسباك المصدر يحيل معنى الأمر ويصيره مستندا إليه وينافي ذلك الأمر. والتطهير: المأمور به هو التنظيف من كل ما لا يليق به. وقد فسروا التطهير بالبناء والتأسيس على الطهارة والتوحيد، قاله السدي، وهو بعيد، وبالتطهير من الأوثان. وذكروا أنه كان عامرا على عهد نوح، وأنه كان فيه أصنام على أشكال صالحيهم، وأنه طال العهد، فعبدت من دون الله، فأمر الله بتطهيره من تلك الأوثان، قاله جبير ومجاهد وعطاء ومقاتل. والمعنى: أنه لا ينصب فيه وثن، ولا يعبد فيه غير الله. وقال يمان: معناه بخراه ونظفاه وخلقاه. وقيل: من الآفات والريب. وقيل: من الكفار. وقيل: من الفرث والدم الذي كان يطرح فيه. وقيل: معناه أخلصاه لهؤلاء، لا يغشاه غيرهم، والأولى حمله على لتطهير مما لا يناسب بيوت الله، فيدخل فيه الأوثان والإنجاس، وجميع الخبائث، وما يمنع منه شرعا، كالحائض.
* (بيتى) *: هذه إضافة تشريف، لا أن مكانا محل لله تعالى، ولكن لما أمر ببنائه وتطهيره وإيفاد الناس من كل فج إليه، صار له بذلك اختصاص، فحسنت إضافته إلى الله بذلك، وصار نظير قوله: * (ناقة الله) * * (وروح * الله) *، من حيث أن في كل منهما خصوصية لا توجد في غيره، فناسب الإضافة إليه تعالى. والأمر بتطهيره يقتضي سبق وجوده، إلا إذا حملنا التطهير على البناء والتأسيس على الطهارة والتقوى. وقد تقدم أنه كان مبنيا على عهد نوح. * (للطائفين والعاكفين) *: ظاهره أنه كل من يطوف من حاضر أو باد، قاله عطاء وغيره. وقال ابن جبير: الغرباء الطارئون على مكة حجاجا وزوارا، فيرحلون عن قريب، ويؤيده أنه ذكر بعده. والعاكفين، قال: وهم أهل البلد الحرام المقيمون، والمقيم مقابل المسافر. وقال عطاء: العاكفون هم الجالسون من غير طواف من بلدي وغريب. وقال مجاهد: المجاورون له من الغرباء. وقال ابن عباس: المصلون، لأن الذي يكون يدخل إلى البيت، إنما يدخل لطواف أو صلاة. وقيل: هم المعتكفون. قال الزمخشري: ويجوز أن