* أريني جوادا مات هزلا لأنني * أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا * انتهى كلام ابن عطية وقوله. ويلزم قائله أن يتعدى إلى ثلاثة مفعولين، إنما يلزم لما ذكرناه من أن المحفوظ أن رأى. إذا كانت قلبية، تعدت إلى اثنين، وبهمزة النقل تصير تتعدى إلى ثلاثة، وقوله: وينفصل بأنه يوجد معدى بالهمزة من رؤية القلب، كغير المعدى، يعني أنه قد استعمل في اللسان العربي متعديا إلى اثنين ومعه همزة النقل، كما استعمل متعديا إلى اثنين بغير الهمزة. وإذا كان كذلك، ثبت أن لرأي، إذا كانت قلبية، استعمالين: أحدهما: أن يكون بمعنى علم المتعدية لواحد بمعنى عرف، والثاني: أن يكون بمعنى علم المتعدية إلى اثنين. واستدلال ابن عطية ببيت ابن يعفر على أن أرى قلبية، لا دليل فيه، بل الظاهر أنها بصرية، والمعنى على أبصريني جواد. ألا ترى إلى قوله: مات هزلا؟ فإن هذا هو من متعلقات البصر، فيحتاج في إثبات رأي القلبية متعدية لواحد إلى سماع. وقد قال ابن مالك، وهو حاشد لغة، وحافظ نوادر: حين عدى ما يتعدى إلى اثنين، فقال في التسهيل، ورأى لا لإبصار، ولا رأي، ولا ضرب، فلو كانت رأي بمعنى عرف، لنفى ذلك، كما نفى عن رأي المتعدية إلى اثنين، كونها لا تكون لأبصار، ولا رأى، ولا ضرب. وقال بعض الناس: المراد هنا بالرؤية رؤية البصر والقلب معا، لأن الحج لا يتم إلا بأمور بعضها يعلم ولا يرى، وبعضها لا يتم الغرض منه إلا بالرؤية، فوجب حمل اللفظ على الأمرين جميعا، وهذا ضعيف، لأن فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز، أو حمل اللفظ المشترك على أكثر من موضوع واحد في حالة واحدة، وهو لا يجوز عندنا. وقرأ ابن كثير: وأرنا، وأرني خمسة بإسكان الراء. وروي عن أبي عمر: والإسكان والاختلاس. وروي عنه: الإشباع، كالباقين، إلا أن أبا عامر، وأبا بكر أسكنا في أرنا اللذين. فالإشباع هو الأصل، والاختلاس حسن مشهور في العربية، والإسكان تشبيه للمنفصل بالمتصل، كما قالوا: فخذ سهله، كون الحركة فيه ليست لإعراب. وقد أنكر بعض الناس الإسكان من أجل أن الكسرة تدل على ما حذف، فيقبح حذفها، يعني أن الأصل كان أرء، فنقلت حركة الهمزة إلى الراء، وحذفت الهمزة، فكان في إقرارها دلالة على المحذوف. وهذا ليس بشيء، لأن هذا أصل مرفوض، وصارت الحركة كأنها حركة للراء. وقال الفارسي: ما قاله هذا القائل ليس بشيء. ألا تراهم أدغموا في لكنا هو الله ربي، أي الأصل لكن، ثم نقلوا الحركة وحذفوا، ثم أدغموا؟ فذهاب الحركة في أرنا ليس بدون ذهابها في الإدغام. وأيضا فقد سمع الإسكان في هذا الحرف نصا عن العرب، قال الشاعر:
* أرنا أداوة عبد الله نملؤها * من ماء زمزم إن القوم قد ظمئوا * وأيضا فهي قراءة متواترة، فإنكارها ليس بشيء. وذكر المفسرون في كيفية تأدية إبراهيم وإسماعيل هذه المناسك، أقوالا سبعة مضطربة النقل. وذكروا أيضا من حج هذا البيت من الأنبياء، ومن مات بمكة منهم. وذكروا أنه مات بها نوح، وهود، وصالح، وشعيب، وإسماعيل، وغيرهم، ولم تتعرض الآية الكريمة لشيء من ذلك، فتركنا نقل ذلك على عادتنا.
* (وتب علينا) *: قالوا التوبة من حيث الشريعة تختلف باختلاف التائبين،