وموسى هو الثاني عنده.
* (وقفينا) *: هذه الياء أصلها الواو، إلا أنها متى وقعت رابعة أبدلت ياء، كما تقول: غزيت من الغزو، والتضعيف الذي في قفينا ليس للتعدية، إذ لو كان للتعدية لكان يتعدى إلى اثنين، لأن قفوت يتعدى إلى واحد. تقول: قفوت زيدا، أي تبعته، فلو جاء على التعدية لكان: وقفيناه من بعده الرسل، وكونه لم يجئ كذلك في القرآن، يبعد أن تكون الباء زائدة في المفعول الأول، ويكون المفعول الثاني جاء محذوفا. ألا ترى إلى قوله: * (ثم قفينا علىءاثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم) *، ولكنه ضمن معنى جئنا، كأنه قال: وجئنا من بعده بالرسل، يقفو بعضهم بعضا، ومن في: * (من بعده) *: لابتداء الغاية، وهو ظاهر، لأنه يحكى أن موسى لم يمت حتى نبىء يوشع. * (بالرسل) *: أرسل الله على أثر موسى رسلا وهم: يوشع، وشمويل، وشمعون، وداود، وسليمان، وشعيا، وأمريا، وعزير، وحزقيل، وإلياس، وأليسع ويونس، وزكريا، ويحيى، وغيرهم. والباء في بالرسل متعلق بقفينا، والألف واللام يحتمل أن تكون للجنس الخاص، ويحتمل أن تكون للعهد، لما استفيد من القرآن وغيره أن هؤلاء بعثوا من بعده، ويحتمل أن تكون التقفية معنوية، وهي كونهم يتبعونه في العمل بالتوراة وأحكامها، ويأمرون باتباعها والبقاء على التزامها. وقرأ الجمهور: بالرسل بضم السين. وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر: بتسكينها، وقد تقدم أنهما لغتان، وواقهما أبو عمرو أن أضيف إلى ضمير جمع نحو: رسلهم ورسلكم ورسلنا، استثقل توالي أربع متحركات، فسكن تخفيفا.
* (ولقد ءاتينا موسى الكتاب) *: أضاف عيسى إلى أمه ردا على اليهود فيما أضافوه إليه. * (البينات) *: وهي الحجج الواضحة الدالة على نبوته، فيشمل كل معجزة أوتيها عيسى عليه السلام، وهذا هو الظاهر. وقيل: الإنجيل. وقيل: الحجج التي أقامها الله على اليهود. وقيل: إبراء الأكمه والأبرص، والإخبار بالمغيبات، وإحياء الموتى، وهم أربعة: سام بن نوح، والعازر، وابن العجوز، وبنت العشار، ومن الطير: الخفاش، فقيل: لم يكن من قبل عيسى، بل هو صورة، والله نفخ فيه الروح. وقيل: كان قبله، فوضع عيسى على مثاله. قالوا: وإنما اختص هذا النوع من الطير لأنه ليس شيء من الطير أشد خلقا منه، لأنه لحم كله. وأجمل الله ذكر الرسل، وفصل ذكر عيسى، لأن من قبله كانوا متبعين شريعة موسى، وأما عيسى فنسخ شرعه كثيرا من شرع موسى.
* (وأيدناه) *: قرأ الجمهور على وزن فعلناه. وقرأ مجاهد، والأعرج، وحميد، وابن محيصن، وحسين، عن أبي عمرو: أأيدناه، على وزن: أفعلناه. وتقدم الكلام على ذلك في المفردات، وفرق بعضهم بينهما فقال: أما المد فمعناه القوة، وأما القصر فالتأييد والنصر، والأصح أنهما بمعنى قويناه، وكلاهما من الأيد، وهو القوة. * (بروح القدس) *: قراءة الجمهور: بضم القاف والدال. وقرأ مجاهد: وابن كثير: بسكون الدال حيث وقع، وفيه لغة فتحها. وقرأ أبو حيوة: القدوس، بواو. والروح هنا: اسم الله الأعظم الذي كان به عيسى عليه السلام يحيي الموتى، قاله ابن عباس، أو الإنجيل، كما سمى الله القرآن روحا، قال تعالى: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) * قاله ابن زيد، أو الروح التي نفخها تعالى في عيسى عليه السلام، أو جبريل عليه السلام، قاله قتادة والسدي والضحاك والربيع، ونسب