سترتموه، بأن يضرب القتيل ببعض هذه البقرة المذبوحة. وتقدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل، لأنه لو عكس، لما كانت قصة واحدة، ولذهب الغرض في تثنية التقريع. انتهى كلامه، وهو مبني على أن القتل وقع أولا، ثم أمروا بعد ذلك بذبح البقرة، وليس له دليل على ذلك إلا نقل شيء من القصص التي لم تثبت في كتاب ولا سنة. وقد بينا حمل الآيتين على أن الأمر بالذبح يكون متقدما وأن القتل تأخر، كحالهما في التلاوة.
وقال بعض الناس: التقديم والتأخير حسن، لأن ذلك موجود في القرآن، في الجمل، وفي الكلمات، وفي كلام العرب. وأورد من ذلك جملا، من ذلك: قصة نوح عليه السلام في إهلاك قومه، وقوله: * (وقال اركبوا فيها) *، وفي حكم من مات عنها زوجها بالتربص بالأربعة الأشهر وعشر، وبمتاع إلى الحول، إذ الناسخ مقدم، والمنسوخ متأخر. وذكر من تقديم الكلمات في القرآن والشعر على زعمه كثيرا، والتقديم والتأخير، ذكر أصحابنا أنه من الضرائر، فينبغي أن ينزه القرآن عنه. ونسبة القتيل إلى جمع، إما لأن القاتلين جمع، وهم ورثة المقتول، وقد نقل أنهم اجتمعوا على قتله، أو لأن القاتلواحد، ونسب ذلك إليهم لوجود ذلك فيهم، على طريقة العرب في نسبة الأشياء إلى القبيلة، إذا وجد من بعضها ما يذم به أو يمدح.
* (فادرأتم فيها) * قرأ الجمهور: بالإدغام وقرأ أبو حيوة؛ فتدارأتم، على وزن تفاعلتم، وهو الأصل، هكذا نقل بعض من جمع في التفسير. وقال ابن عطية: قرأ أبو حيوة، وأبو السوار الغنوي: * (وإذ قتلتم نفسا فادرأتم) *، وقرأت فرقة: فتدارأتم على الأصل. انتهى كلامه. ونقل من جمع في التفسير أن أبا السوار قرأ: فدرأتم، بغير ألف قبل الراء. ويحتمل هذا التدارؤ، وهو التدافع، أن يكون حقيقة، وهو أن يدفع بعضهم بعضا بالأيدي، لشدة الاختصام. ويحتمل المجاز، بأن يكون بعضهم طرح قتله على بعض، فدفع المطروح عليه ذلك إلى الطارح، أو بأن دف بعضهم بعضا بالتهمة والبراءة. والضمير في: فيها عائد على النفس، وهو ظاهر، وقيل: على القتلة، فيعود على المصدر المفهوم من الفعل، وقيل: على التهمة، فيعود على ما دل عليه معنى الكلام.
* (والله مخرج ما كنتم تكتمون) *، ما: منصوب باسم الفاعل، وهو موصول معهود، فلذلك أتى باسم الفاعل لأنه يدل على الثبوت، ولم يأت بالفعل الذي هو دال على التجدد والتكرار، ولا تكرار، إذ لا تجدد فيه، لأنها قصة واحدة معروفة، فلذلك، والله أعلم، لم يأت بالفعل. وجاء اسم الفاعل معملا، ولم يضف، وإن كان من حيث المعنى ماضيا، لأنه حكى ما كان مستقبلا وقت التدارؤ، وذلك مثل ما حكى الحال في قوله تعالى: * (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) *. ودخلت كان هنا ليدل على تقدم الكتمان، والعائد على ما محذوف تقديره: ما كنتم تكتمونه. والظاهر أن المعنى ما كنتم تكتمون من أمر القتيل وقاتله، وعلى هذا ذهب الجمهور. وقيل: يجوز أن يكون عاما في القتيل وغيره، فيكون القتيل من جملة أفراده، وفي ذلك نظر، إذ ليس كل ما كتموه عن الناس أظهره الله تعالى.
* (فقلنا اضربوه ببعضها) *: جملة معطوفة على قوله: * (قتلتم نفسا فادرأتم فيها) *.
والجملة من قوله تعالى: * (والله مخرج ما كنتم تكتمون) * اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه، مشعرة بأن التدارؤ لا يجدي شيئا، إذ الله تعالى مظهر ما كتم من أمر القتيل. والهاء في اضربوه عائد على النفس، على تذكير النفس، إذ فيها التأنيث، وهو الأشهر، والتذكير، أو على أو الأول هو على حذف مضاف، أي وإذ قتلتم ذا نفس، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فروعي بعود الضمير مؤنثا في قوله: * (فادرأتم) * فيها، وروعي المحذوف بعود الضمير عليه مذكرا في قوله: * (فقلنا اضربوه) *، أو عائد على القتيل، أي، فقلنا: اضربوا القتيل ببعضها. الظاهر أنهم أمروا أن يضربوه بأي بعض كان، فقيل: ضربوه بلسانها، أو بفخذها اليمنى، أو بذنبها، أو بالغضروف، أو بالعظم الذي يلي الغضروف، وهو أصل الأذن، أو بالبضغة التي بين الكتفين، أو بالعجب، وهو أصل الذنب، أو بالقلب واللسان معا، أو بعظم من عظامها، قاله أبو