تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٤٣
وكنى بالملاقاة عن الموت، لأن ملاقاة الله متسبب عن الموت، فهو من إطلاق المسبب، والمراد منه السبب، وذلك أن من كان يظن الموت في كل لحظة لا يفارق قلبه الخشوع، وقيل ذلك على حذف مضاف أخص من الجزاء، وهو الثواب، أي ثواب ربهم. فعلى هذا القول، والقول الأول، يكون الظن على بابه من كونه يراد به الترجيح، وعلى تقدير الجزاء، أو كون الملاقاة يراد بها انقضاء الأجل، يكون الظن يراد به التيقن. وقد نازعت المعتزلة في كون لفظ اللقاء لا يراد به الرؤية ولا يفيدها. ألا ترى إلى قوله تعالى: * (فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه) * والمنافق لا يرى ربه * (واعلموا أنكم ملاقوه) *؟ ويتناول الكافر والمؤمن؟ وفي الحديث: (لقي الله وهو عليه غضبان) إلى غير ذلك مما ذكروه. وقد تكلم على ذلك أصحابنا. ومسألة الرؤية يتكلم عليها في أصول الدين.
* (وأنهم إليه راجعون) *: اختلف في الضمير في إليه على من يعود، فظاهر الكلام والتركيب الفصيح أنه يعود إلى الرب، وأن المعنى: وأنهم إلى ربهم راجعون، وهو أقرب ملفوظ به. وقيل: يعود على اللقاء الذي يتضمنه ملاقو ربهم. وقيل: يعود على الموت. وقيل: على الإعادة، وكلاهما يدل عليه ملاقوا. وقد تقدم شرح الرجوع، فأغنى عن إعادته هنا. وقيل: بالقول الأول، وهو أن الضمير يعود على الرب، فلا يتحقق الرجوع، فيحتاج في تحققه إلى حذف مضاف، التقدير: إلى أمر ربهم راجعون. وقيل: المعنى بالرجوع: الموت. وقيل: راجعون بالإعادة في الآخرة، وهو قول أبي العالية. وقيل: راجعون إلى أن لا يملك أحدهم ضرا ولا نفعا لغيره، كما كانوا في بدء الخلق. وقيل: راجعون، فيجزيهم بأعمالهم، وليس في قوله: وأنهم إليه راجعون دلالة للمجسمة والتناسخية على كون الأرواح قديمة، وإنما كانت موجودة في عالم الروحانيات. قالوا: لأن الرجوع إلى الشيء المسبوق بالكون عنده.
2 (* (يابنى إسراءيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين * واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون * وإذ نجيناكم من ءال فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبنآءكم ويستحيون نسآءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم) *)) 2 * (راجعون يابنى إسراءيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون) *. الفضل: الزيادة، واستعماله في الخير، وفعله فعل يفعل، وأصله أن يتعدى بحرف الجر، وهو على ثم بحذف على، على حد قول الشاعر، وقد جمع بين الوجهين:
* وجدنا نهشلا فضلت فقيما * كفضل ابن المخاض على الفصيل * وأما في الفضلة من الشيء، وهي البقية، فيقال: فضل يفضل، كالذي قدمناه، وفضل يفضل، نحو: سمع يسمع، وفضل يفضل، بكسرها من الماضي، وضمها من المضارع، وقد أولع قوم من النحويين بإجازة فتح ضاد فضلت في البيت
(٣٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»