* كأن بين فكها والفك * فأرة مسك ذبحت في سك * وقال:
كأنما الصاب في عينيك مذبوح والذبحة: داء في الحلق، يقال منه: ذبحه يذبحه ذبحا، والذبح: المذبوح. الاستحياء: هنا الإبقاء حيا، واستفعل فيه بمعنى أفعل: استحياه وأحياه بمعنى واحد، نحو قولهم: أبل واستبل، أو طلب الحياء، وهو الفرج، فيكون استفعل هنا للطلب، نحو: استغفر، أي تطلب الغفران. وقد تقدم الكلام على استحيا من الحياء في قوله: * (إن الله لا * يستحى أن يضرب مثلا) * النساء: اسم يقع للصغار والكبار، وهو جمع تكسير لنسوة، ونسوة على وزن فعلة، وهو جمع قلة، خلافا لابن السراج، إذ زعم أن فعلة اسم جمع لا جمع تكسير، وعلى القولين لم يلفظ له بواحد من لفظه. والواحدة: امرأة. البلاء: الاختبار، بلاه يبلوه بلاء: اختبره، ثم صار يطلق على المكروه والشدة، يقال: أصاب فلانا بلاء: أي شدة، وهو راجع لمعنى البلى، كأن المبتلى يؤول حاله إلى البلى، وهو الهلاك والفناء. ويقال: أبلاه بالنعمة، وبلاه بالشدة. وقد يدخل أحدهما على الآخر فيقال: بلاه بالخير، وأبلاه بالشر، قال الشاعر:
* جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم * فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو * فاستعملهما بمعنى واحد، ويبنى منه افتعل فيقال: ابتلى.
* (خالدون يابنى إسراءيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم) *: تقدم الكلام في شرح هذا، وأعيد نداؤهم ثانيا على طريق التوكيد، ولينبهوا لسماع ما يرد عليهم من تعداد النعم التي أنعم الله بها عليهم، وتفصيلها نعمة نعمة، فالنداء الأول للتنبيه على طاعة المنعم، والنداء الثاني للتنبيه على شكر النعم. * (وأنى فضلتكم) *: ثم عطف التفضيل على النعمة، وهو من عطف الخاص على العام لأن النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور، وهو ما انفردت به الواو دون سائر حروف العطف، وكان أستاذنا العلامة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي يذكر لنا هذا النحو من العطف، وأنه يسمى بالتجريد، كأنه جرد من الجملة وأفرد بالذكر على سبيل التفضيل، وقال الشاعر:
* أكر عليهم دعلجا ولبانه * إذا ما اشتكى وقع القناة تحمحما * دعلج: هنا اسم فرس، ولبانه: صدره، ولأبي الفتح بن جني كلام في ذلك يكشف من سر الصناعة له. * (على العالمين) *: أي عالمي زمانهم، قاله الحسن ومجاهد وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم، أو على كل العالمين، بما جعل فيهم من الأنبياء، وجعلهم ملوكا وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين، وذلك خاصة لهم دون غيرهم. فيكون عاما والنعمة مخصوصة. قالوا: ويدفع هذا القول: * (كنتم خير أمة) *، أو على الجم الغفير من الناس، يقال: رأيت عالما من الناس، يراد به الكثرة. وعلى كل قول من هذه الأقوال الثلاثة لا يلزم منه التفضيل على هذه الأمة، لأن من قال بالعموم خص النعمة، ولا يلزم التفضيل على كل عالم بشيء خاص التفضيل من جميع الوجوه، ومن قال بالخصوص فوجه عدم التفضيل مطلقا ظاهر. وقال القشيري: أشهد بني إسرائيل فضل أنفسهم فقال: * (وأنى فضلتكم على العالمين) *،