النفس درا كالمجة وإن لطف شأنها، منتبها على الرمزة وإن خفي مكانها، لا كزا جاسيا، ولا غليظا جافيا، متصرفا ذا درية بأساليب النظم والنثر، مرتاضا غير ريض بتلقيح نبات الفكر، قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف، وكيف نظم ويرصف، طالما دفع إلى مضايقه، ووقع في مداحضة ومزالقه، انتهى كلام ((الزمخشري)) في وصف متعاطي تفسير القرآن، وأنت ترى هذا الكلام وما احتوى عليه من الترصيف الذي يبهر بجنسه الأدباء، ويقهر بفصاحته البلغاء، وهو شاهد له بأهليته للنظر في تفسير القرآن، واستخراج لطائف الفرقان. [حديثه عن الزمخشري وابن عطية] وهذا ((أبو القاسم محمود بن عمر المشرقي الخوارزمي الزمخشري))، و ((أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي)) المغربي الغرناطي، أجل من صنف في علم التفسير، وأفضل من تعرض للتنقيح فيه والتحرير، وقد اشتهرا ولا كاشتهار الشمس، وخلدا في الأحياء وإن هدا في الرمس، وكلامهما فيه يدل على تقديمها في علوم، من منثور ومنظوم، ومنقول ومفهوم، وتقلب في فنون الآداب، وتمكن من علمي المعاني والإعراب، وفي خطبتي كتابيهما وفي غضون كتاب ((الزمخشري)) ما يدل على أنهما فارسا ميدان، وممارسا فصاحة وبيان، وللزمخشري تصانيف غير تفسيره، منها ((الفائض)) في لغات الحديث، و ((مختلف الأسماء ومؤتلفها))، و ((ربيع الأبرار))، و ((الرائض في الفرائض))، و ((المفصل)) وغير ذلك، وقد ذكر الوزير أبو نصر الفتح بن خاقان الأشبيلي في كتابه المسمى ((قلائد العقيان ومحاسن الأعيان)) أبا محمد بن عطية فقال فيه: نبعة روح العلا، ومحرز ملابس الثنا، فذ الجلالة، وواحد العصر والأصالة، وقار كما رسا الهضب وأدب كما اطرد السلسل العذب، أثره في كل معرفة علم في رأسه نار، وطوالعه في آفاقها صبح ونهار، وقد أثبت من نظمه ما ينفخ عبيرا، ويتضح منيرا، وأورد له نثرا كما نظم قلائد، ونظما تزدان بمثله أجياد الولائد، من ألفاظ عذبة تستنزل برقتها العصم ومعان مبتكرة تفحم الألد الخصم، أبقت له ذكرا مخلدا على جبين الدهر، وعرفا أرجا كتضوع الزهر، ولما كان
(١١٢)