كتاباهما في التفسير قد أنجدا وأغارا، وأشرقا في سماء هذا العلم وأنارا، وتنزلا من الكتب التفسيرية منزلة الإنسانية من العين، والذهب الا بريز من العين، ويتيمة الدر من اللآلي، وليلة القدر من الليالي، فعكف الناس شرقا وغربا عليهما، وثنوا أعنه الاعتناء إليهما، وكان فيهما على جلالتهما مجال لانتقاد ذوي التبريز، ومسرح للتخييل فيهما والتمييز، ثنيت إليهما عنان الانتقاد، وحللت ما تخيل الناس فيهما من الاعتقاد، أنهما في التفسير الغاية التي لا تدرك، والمسلك الوعر الذي لا يكاد يسلك، وعرضتهما على محك النظر، وأرويت فيهما نار الفكر، حتى خلص دسيسهما، وبرز نفيسهما، وسيرى ذلك من هو للنظر أهل، واجتمع فيه إنصاف وعدل، فإنه يتعجب من التولج على الضراغم، والتحرز لأشبالها والأنف راغم، إذ هذان الرجلان هما فارسا علم التفسير، وممارسا تحريره والتحبير، نشراه نشرا، وطار لهما به ذكرا، وكانا متعاصرين في الحياة، متقاربين في الممات (ولد أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري) ((بزمخشر)) قرية من قرى خوارزم يوم الأربعاء السابع عشر لرجب سنة سبع وستين وأربعمائة (وتوفي بكركانج) قصبة ((خوارزم)) ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة (وولد أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية المحاربي من أهل غرناطة) سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وتوفي بلورقة في الخامس والعشرين لرمضان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة هكذا ذكره القاضي ابن أبي جمرة في وفاة ابن عطية وقال الحافظ أبو القاسم بن بشكوال: توفي يعني ((ابن عطية)) سنة اثنين وأربعين وخمسمائة، وكتاب ابن عطية أنقل وأجمع وأخلص، وكتاب الزمخشري ألخص وأغوص، إلا أن الزمخشري قائل بالطفرة، ومقتصر من الذؤابة على الوفرة، فربما سنح له آبي المقادة فأعجزه اعتياصه، ولم يمكنه لتأنيه اقتناصه، فتركه عقلا لمن يصطاده، وغفلا لمن يرتاده، وربما ناقض هذا المنزع فثنى العنان إلى الواضح، والسهل اللائح، وأجال فيه كلاما، ورمى نحو غرضه سهاما، هذا مع ما في كتابه من نصره مذهبه، وتقحم مرتكبه، وتجشم حمل كتاب الله عز وجل عليه، ونسبه ذلك إليه، فمغتفر إساءته لإحسانه، ومصفوح عن سقطه في بعض لإصابته في أكثر تبيانه. فما كان في كتابي هذا من تفسير الزمخشري رحمه الله تعالى فأخبرني به أستاذنا العلامة أبو
(١١٣)