التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٢ - الصفحة ١٩٥
لم سمي ذو القرنين فقيل كان له ضفيرتان من شعرهما قرناه فسمي بذلك وقيل لأنه بلغ المشرق والمغرب وكأنه حاز قرني الدنيا * (إنا مكنا له في الأرض) * التمكين له أنه ملك الدنيا ودانت له الملوك كلهم " آتيناه من كل شيء سببا " أي علما وفهما يتوصل به إلى معرفة الأشياء والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو غير ذلك * (فأتبع سببا) * أي طريقا يوصله * (وجدها تغرب في عين حمئة) * قرئ بالهمز على وزن فعلة أي ذات حمأة وقرئ بالياء على وزن فاعلة وقد اختلف في ذلك معاوية وابن عباس فقال ابن عباس حمئة وقال معاوية حامية فبعثا إلى كعب الأحبار ليخبرهما بالأمر فقال أما العربية فأنتما أعلما بها مني ولكن أجد في التوراة أنها تغرب في ماء وطين فوافق ذلك قراءة ابن عباس ومعنى حامية حارة ويحتمل أن يكون بمعنى حمية ولكن سهلت همزته ويتفق معنى القراءتين وقد قيل يمكن أن يكون فيها حمئة وتكون حارة لحرارة الشمس فتكون جامعة للموضعين ويجتمع معنى القراءتين * (قلنا يا ذا القرنين) * استدل بهذا من قال إن ذا القرنين نبي لأن هذا القول وحي ويحتمل أن يكون بإلهام فلا يكون فيه دليل على نبوته * (إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) * كانوا كفارا فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل أو يدعوهم إلى الإسلام فيحسن إليهم وقيل الحسن هناهو الأسر وجعله حسنا بالنظر إلى القتل * (قال أما من ظلم فسوف نعذبه) * اختار أن يدعوهم إلى الإسلام فمن تمادى على الكفر قتله ومن أسلم أحسن إليه والظلم هنا الكفر والعذاب القتل وأراد بقوله عذابا نكرا عذاب الآخرة * (فله جزاء الحسنى) * المراد بالحسنى الجنة أو الأعمال الحسنة * (وسنقول له من أمرنا يسرا) * وعدهم بأن ييسر عليهم * (وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) * هؤلاء القوم هم الزنج وهم أهل الهند ومن وراءهم ومعنى لم نجعل الآية أنهم ليس لهم بنيان إذ لا تحمل أرضهم البناء وإنما يدخلون من حر الشمس في أسراب تحت الأرض وقال ابن عطية الظاهر أنها عبارة عن قرب الشمس منهم وقيل الستر اللباس فكانوا على هذا لا يلبسون الثياب * (كذلك) * أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيما لأمره وقيل إن كذلك راجع لما قبله أي لم نجعل لهم سترا كما جعلنا لكم من المباني والثياب وقيل المعنى وجد عندها قوما كذلك أي مثل القوم الذين وجدوا عند مغرب الشمس وفعل معهم مثل فعله * (بين السدين) * أي الجبلين وهما جبلان في طرف الأرض وقرئ بالفتح والضم وهما بمعنى واحد وقيل ما كان من خلقة الله فهو مضموم وما كان من فعل الناس فهو مفتوح * (وجد من دونهما قوما) * قيل هم الترك * (لا يكادون يفقهون قولا) * عبارة عن بعد لسانهم عن ألسنة الناس فهم لا يفقهون القول
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 » »»