التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ١ - الصفحة ٩٨
آثم قلبه) معناه قد تعلق به الإثم اللاحق من المعصية في كتمان الشهادة وارتفع آثم بأنه خبر إن وقلبه فاعل به ويجوز أن يكون قلبه مبتدأ وآثم خبره وإنما أسند الإثم إلى القلب وإن كان جملة الكاتم هي الآثمة لأن الكتمان من فعل القلب إذ هو يضمرها ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * الآية مقتضاها المحاسبة على ما في نفوس العباد من الذنوب سواء أبدوه أم أخفوه ثم المعاقبة على ذلك لمن يشاء الله أو الغفران لمن شاء الله وفي ذلك إشكال لمعارضته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة أنه لما نزلت شق ذلك على الصحابة وقالوا أهلكنا إن حوسبنا على خواطر أنفسنا فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا فقالوها فأنزل الله بعد ذلك * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * فكشف الله عنهم الكربة ونسخ بذلك هذه الآية وقيل هي في معنى كتم الشهادة وإبدائها وذلك محاسب به وقيل يحاسب الله خلقه على ما في نفوسهم ثم يغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين والمنافقين والصحيح التأويل الأول لوروده في الصحيح وقد ورد أيضا عن ابن عباس وغيره فإن قيل إن الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ فالجواب أن النسخ إنما وقع في المؤاخذة والمحاسبة وذلك حكم يصح دخول النسخ فيه فلفظ الآية خبر ومعناها حكم " فيغفر لمن يشاءويعذب " قرىء بجزمهما عطفا على يحاسبكم وبرفعهما على تقدير فهو يغفر * (آمن الرسول) * الآية سببها ما تقدم في حديث أبي هريرة لما قالوا سمعنا وأطعنا مدحهم الله بهذه الآية وقدم ذلك قبل كشف ما شق عليهم * (والمؤمنون) * عطف على الرسول أو مبتدأ فعلى الأول يوقف على المؤمنون وعلى الثاني يوقف على من ربه والأول أحسن * (كل آمن بالله) * إن كان المؤمنون معطوفا فكل عموم في الرسول والمؤمنون وإن كان مبتدأ فكل عموم في المؤمنين ووحد الضمير في آمن على معنى أن كل واحد منهم آمن * (وكتبه) * قرىء بالجمع أي كل كتاب أنزله الله وقرئ بالتوحيد يريد القرآن أو الجنس * (لا نفرق بين أحد من رسله) * التقدير يقولون لا نفرق والمعنى لا نفرق بين أحد من الرسل وبين غيره في الإيمان بل نؤمن بجميعهم ولسنا كاليهود والنصارى الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض * (وقالوا سمعنا وأطعنا) * حكاية عن قول المؤمنين على وجه المدح لهم * (غفرانك) * مصدر والعامل فيه مضمر ونصبه على المصدرية تقديره اغفر غفرانك وقيل على المفعولية تقديره نطلب غفرانك * (وإليك المصير) * إقرار بالبعث مع تذلل وانقياد وهنا تمت حكاية كلام المؤمنين * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * إخبار من الله تعالى برفع تكليف ما لا يطاق وهو جائز عقلا عند الأشعرية ومحال عقلا عند المعتزلة واتفقوا على أنه لم يقع في الشريعة * (لها ما كسبت) * أي من الحسنات * (وعليها ما اكتسبت) * أي من السيئات وجاءت العبارة بلها
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»