وهم ينظرون في ظلها ولم يأكل منها فقير إلا غني مدة عمره ولا مريض إلا بريء ولم يمرض أبدا ثم أوحي الله تعالى إلى عيسى عليه السلام أن اجعل مائدتي في الفقراء والمرضى دون الأغنياء والأصحاء فاضطرب الناس لذلك فمسخ منهم ثلاثة وثمانون رجلا وقيل لما وعد الله إنزالها بهذه الشريطة استعفوا وقالوا لا نريد فلم تنزل وعن مجاهد أن هذا مثل ضربه الله لمقترحي المعجزات وعن الصوفية المائدة ههنا عبارة عن حقائق المعارف فإنها غذاء الروح كما أن الأطعمة غذاء البدن وعلى هذا فلعل الحال أنهم رغبوا في حقائق لم يستعدوا للوقوف عليها فقال لهم عيسى عليه الصلاة والسلام إن حصلتما الإيمان فاستعملوا التقوى حتى تتمكنوا من الاطلاع عليها فلم يقلعوا عن السؤال وألحوا فيه فسأل لأجل اقتراحهم فبين الله سبحانه وتعالى أن إنزاله سهل ولكن فيه خطر وخوف عاقبة فإن السالك إذا انكشف له ما هو أعلى من مقامه لعله لا يحتمله ولا يستقر له فيضل به ظلالا بعيدا * (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * يريد به توبيخ الكفرة وتبكيتهم ومن دون الله صفة لإلهين أو صلة اتخذوني ومعنى دون إما المغايرة فيكون فيه تنبيه على أن عبادة الله سبحانه وتعالى مع عبادة غيره كلا عبادة فمن عبده مع عبادتهما كأنه عبدهما ولم يعبده أو للقصور فإنهم لم يعتقدوا أنهما مستقلان باستحقاق العبادة وإنما زعموا أن عبادتهما توصل إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وكأنه قيل
(٣٨٢)