أي أفسدتك. وقال أبو عمرو: أفرحه الدين أثقله. وأنشده: إذا أنت... البيت. وأفرحه سره فهو مشترك. قال الزجاج: والفرحين والفارحين سواء. وفرق بينهما الفراء فقال:
معنى الفرحين الذين هم في حال فرح، والفارحين الذين يفرحون في المستقبل. وزعم أن مثله طمع وطامع وميت ومائت. ويدل على خلاف ما قال قول الله عز وجل: " إنك ميت وإنهم ميتون " ولم يقل مائت. وقال مجاهد أيضا: معنى " لا تفرح " لا تبغ " إن الله لا يحب الفرحين " أي الباغين. وقال ابن بحر: لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين.
قوله تعالى: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) أي أطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة، فإن من حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة لا في التجبر والبغي.
قوله تعالى: (ولا تنس نصيبك من الدنيا) اختلف فيه، فقال ابن عباس والجمهور:
لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملا صالحا في دنياك، إذ الآخرة إنما يعمل لها، فنصيب الانسان عمره وعمله الصالح فيها. فالكلام على هذا التأويل شدة في الموعظة. وقال الحسن وقتادة: معناه لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه، ونظرك لعاقبة دنياك. فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الامر الذي يشتهيه. وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة، قاله ابن عطية.
قلت: وهذان التأويلان قد جمعهما ابن عمر في قوله: احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا وعن الحسن: قدم الفضل، وأمسك ما يبلغ. وقال مالك:
هو الأكل والشرب بلا سرف. وقيل: أراد بنصيبه الكفن. فهذا وعظ متصل، كأنهم قالوا:
لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك هذا الذي هو الكفن. ونحو هذا قول الشاعر:
نصيبك مما تجمع الدهر كله * رداء ان تلوى فيهما وحنوط وقال آخر:
وهي القناعة لا تبغي بها بدلا * فيها النعيم وفيها راحة البدن أنظر لمن ملك الدنيا بأجمعها * هل راح منها بغير القطن والكفن قال ابن العربي: وأبدع ما فيه عندي قول قتادة: ولا تنس نصيبك الحلال، فهو نصيبك من الدنيا ويا ما أحسن هذا. (وأحسن كما أحسن الله إليك) أي طع الله وأعبده كما أنعم عليك.