عليه السلام بإدراك كلام الله تعالى خرقا للعادة، ولو لم يقل ذلك لم يكن لموسى عليه السلام اختصاص بتكليم الله إياه. والرب تعالى أسمعه كلامه العزيز، وخلق له علما ضروريا، حتى علم أن ما سمعه كلام الله، وأن الذي كلمه وناداه هو الله رب العالمين. وقد ورد في الأقاصيص أن موسى عليه السلام قال: سمعت كلام ربي بجميع جوارحي، ولم أسمعه من جهة واحدة من جهاتي وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " (1) مستوفى. (أن يا موسى) " أن " في موضع نصب بحذف حرف الجر أي ب " أن يا موسى ". (إني أنا الله رب العالمين نفي لربوبية غيره سبحانه. وصار بهذا الكلام من أصفياء الله عز وجل لا من رسله، لأنه لا يصير رسولا إلا بعد أمره بالرسالة، والامر بها إنما كان بعد هذا الكلام.
قوله تعالى: وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين (31) قوله تعالى: (وأن ألق عصاك) عطف على " أن يا موسى وتقدم الكلام في هذا في " النمل " و " طه ". و (مدبرا) نصب على الحال وكذلك موضع قوله: (ولم يعقب) نصب على الحال أيضا. (يا موسى أقبل ولا تخف) قال وهب: قيل له أرجع إلى حيث كنت. فرجع فلف دراعته (2) على يده، فقال له الملك: أرأيت إن أراد الله أن يصيبك بما تحاذر أينفعك لفك يدك؟ قال: لا ولكني ضعيف خلقت من ضعف. وكشف يده فأدخلها في فم الحية فعادت عصا. (إنك من الآمنين) أي مما تحاذر.
قوله تعالى: اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملأه إنهم كانوا قوما فاسقين (32) قال رب إني قتلت منهم نفسا