الثانية - في هذا الحديث والآية دليل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب، ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته، لقوله: " إن لكم رحما سأبلها ببلالها " وقوله عز وجل: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين " الآية، على ما يأتي بيانه هناك قوله تعالى: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) تقدم في سورة " الحجر " و " سبحان " يقال: خفض جناحه إذا لان. (فإن عصوك) أي خالفوا أمرك. (فقل إني برئ مما تعملون) أي برئ من معصيتكم إياي، لان عصيانهم إياه عصيان لله عز وجل، لأنه عليه السلام لا يأمر إلا بما يرضاه، ومن تبرأ منه فقد تبرأ الله منه.
قوله تعالى: (وتوكل على العزيز الرحيم) أي فوض أمرك إليه فإنه العزيز الذي لا يغالب، الرحيم الذي لا يخذل أولياءه. وقرأ العامة " وتوكل " بالواو وكذلك هو في مصاحفهم.
وقرأ نافع وابن عامر: " فتوكل " بالفاء وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام. (الذي يراك حين تقوم) أي حين تقوم إلى الصلاة في قول أكثر المفسرين: ابن عباس وغيره.
وقال مجاهد: يعنى حين تقوم حيثما كنت. (وتقلبك في الساجدين) قال مجاهد وقتادة:
في المصلين. وقال ابن عباس: أي في أصلاب الآباء، آدم ونوح وإبراهيم حتى أخرجه نبيا.
وقال عكرمة: يراك قائما وراكعا وساجدا، وقاله ابن عباس أيضا. وقيل: المعنى، إنك ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك. وروى عن مجاهد، ذكره الماوردي والثعلبي. وكان عليه السلام يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، وذلك ثابت في الصحيح وفي تأويل الآية بعيد. (إنه هو السميع العليم) تقدم.
قوله تعالى: هل أنبئكم على من تنزل الشيطين (221) تنزل على كل أفاك أثيم (222) يلقون السمع وأكثرهم كاذبون (223)