عن ابن عباس أيضا. وقيل: المعنى لا تدركه أبصار القلوب، أي لا تدركه العقول فتتوهمه، إذ " ليس كمثله شئ (1) " وقيل المعنى لا تدركه الأبصار المخلوقة في الدنيا، لكنه يخلق لمن يريد كرامته بصرا وإدراكا يراه فيه كمحمد عليه السلام، إذ رؤيته تعالى في الدنيا جائزة عقلا، إذ لو لم تكن جائزة لكان سؤال موسى عليه السلام مستحيلا، ومحال أن يجهل نبي ما يجوز على الله وما لا يجوز، بل لم يسأل إلا جائزا غير مستحيل. وأختلف السلف في رؤية نبينا عليه السلام ربه، ففي صحيح مسلم عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة، فقالت:
يا أبا عائشة (2)، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت: ما هن؟ قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال: وكنت متكئا فجلست فقلت:
يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل " ولقد رآه بالأفق المبين (3) " " ولقد رآه نزلة أخرى (4) "؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة (من (5) سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض). فقالت: أو لم تسمع أن الله عز وجل يقول: " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير "؟
أو لم تسمع الله عز وجل يقول: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا - إلى قول - علي حكيم (1) "؟ قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول:
" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته (6) " قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله (7) " وإلى ما ذهبت إليه عائشة رضي الله عنها من عدم الرؤية، وأنه إنما رأى جبريل:
ابن مسعود، ومثله عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأنه رأى جبريل، وأختلف عنهما.