تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٣٣٩
لكنهما قصدا إلى أن الحارث كان سبب نجاة الولد فسمياه به كما يسمي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له، لا على أن الضيف ربه، كما قال حاتم:
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا * وما في إلا تيك من شيمة العبد وقال قوم: إن هذا راجع إلى جنس الآدميين والتبيين عن حال المشركين من ذرية آدم عليه السلام، وهو الذي يعول عليه. فقوله: " جعلا له " يعني الذكر والأنثى الكافرين، ويعني به الجنسان. ودل على هذا (فتعالى الله عما يشركون) ولم يقل يشركان. وهذا قول حسن.
وقيل: المعنى " هو الذي خلقكم من نفس واحدة " من هيئة واحدة وشكل واحد " وجعل منها زوجها " أي من جنسها " فلما تغشاها " يعني الجنسين. وعلى هذا القول لا يكون لآدم وحواء ذكر في الآية، فإذا آتاهما الولد صالحا سليما سويا كما أراداه صرفاه عن الفطرة إلى الشرك، فهذا فعل المشركين. قال صلى الله عليه وسلم " ما من مولود إلا يولد على الفطرة - في رواية (على هذه (1)) الملة - أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ". قال عكرمة: لم يخص بها آدم، ولكن جعلها عامة لجميع الخلق بعد آدم. وقال الحسين بن الفضل: وهذا أعجب إلى أهل النظر، لما في القول الأول من المضاف من العظائم بنبي الله آدم. وقرأ أهل المدينة وعاصم " شركا " على التوحيد. وأبو عمرو وسائر أهل الكوفة بالجمع، على مثل فعلاء، جمع شريك. وأنكر الأخفش سعيد القراءة الأولى، وهي صحيحة على حذف المضاف، أي جعلا له ذا شرك، مثل " واسأل القرية " فيرجع المعنى إلى أنهم جعلوا له شركاء.
الرابعة - ودلت الآية على أن الحمل مرض من الأمراض. روى ابن القاسم ويحيى عن مالك قال: أول الحمل يسر (2) وسرور، وآخره مرض من الأمراض. وهذا الذي قاله مالك:
" إنه مرض من الأمراض " يعطيه ظاهر قوله: " دعوا الله ربهما " وهذه الحالة مشاهدة في الحمال، ولأجل عظم الأمر وشدة الخطب جعل موتها شهادة، كما ورد في الحديث (3).

(1) من ه‍ وى.
(2) في ج وا ول وز: بشر.
(3) في قوله صلى الله عليه وسلم: " الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد والغريق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمبطلون شهيد وصاحب الحريق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت يجمع شهيدة " أي تموت وفى بطنها ولد. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حيان والحكم.
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»