تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٩١
الثالثة - واختلفوا إذا رأى عورة نفسه، فقال الشافعي: إذا كان الثوب ضيقا يزره أو يخلله بشئ لئلا يتجافى القميص فترى من الجيب العورة، فإن لم يفعل ورأى عورة نفسه أعاد الصلاة. وهو قول أحمد. ورخص مالك في الصلاة في القميص محلول الأزرار، ليس عليه سراويل. وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور. وكان سالم يصلي محلول الأزرار.
وقال داود الطائي: إذا كان عظيم اللحية فلا بأس به. وحكى معناه الأثرم عن أحمد.
فإن كان إماما فلا يصلي إلا بردائه، لأنه من الزينة. وقيل: من الزينة الصلاة في النعلين، رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح. وقيل: زينة الصلاة رفع الأيدي في الركوع وفي الرفع منه. قال أبو عمر: لكل شئ زينة وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي.
وقال عمر رضي الله عنه: إذا وسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم، جمع رجل عليه ثيابه، صلى في إزار (1) ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء، في سراويل ورداء، في سراويل وقميص، في سراويل وقباء - (2) وأحسبه قال: في تبان (3) وقميص - في تبان ورداء، في تبان وقباء. رواه البخاري والدارقطني.
الرابعة - قوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) قال ابن عباس: أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة (4). فأما ما تدعو الحاجة إليه، وهو ما سد الجوعة وسكن الظمأ، فمندوب إليه عقلا وشرعا، لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس، ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال، لأنه يضعف الجسد ويميت النفس، ويضعف عن العبادة، وذلك يمنع منه الشرع وتدفعه العقل. وليس لمن منع نفسه قدر الحاجة حظ من بر ولا نصيب من زهد، لأن ما حرمها من فعل الطاعة بالعجز والضعف أكثر ثوابا وأعظم أجرا. وقد اختلف في الزائد على قدر الحاجة على قولين: فقيل حرام، وقيل مكروه. قال ابن العربي: وهو الصحيح، فإن قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان

(1) الإزار: ما يؤتزر به في النصف الأسفل. والرداء للنصف الأعلى.
(2) القباء (بالفتح):
ثوب يلبس فوق الثياب. وقيل: يلبس فوق القميص ويتنطق عليه.
(3) التبان (بضم المثناة وتشديد الموحدة) سراويل صغير مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط.
(4) المخيلة: الكبر.
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»