تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٨٨
قوله تعالى: (قل أمر ربى بالقسط) قال ابن عباس: لا إله إلا الله. وقيل:
القسط العدل، أي أمر: العدل فأطيعوه. ففي الكلام حذف. (وأقيموا وجوهكم) أي توجهوا إليه في كل صلاة إلى القبلة. (عند كل مسجد) أي في أي مسجد كنتم.
(وادعوا مخلصين له) الدين أي وحدوه ولا تشركوا به. (كما بدأكم تعودون) نظيره " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة (1) " وقد تقدم. والكاف في موضع نصب، أي تعودون كما بدأكم، أي كما خلقكم أول مرة يعيدكم. وقال الزجاج: هو متعلق بما قبله.
أي ومنها تخرجون كما بدأكم تعودون. (فريقا هدى) " فريقا " نصب على الحال من المضمر في " تعودون " أي تعودون فريقين: سعداء، وأشقياء. يقوي هذا قراءة أبي " تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة "، عن الكسائي. وقال محمد بن (2) كعب القرظي في قوله تعالى " فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " قال: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة، وإن عمل بأعمال الهدى. ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره إلى الهدى، وإن عمل بأعمال الضلالة. ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة، وعمل بأعمال السعادة مع الملائكة، ثم رده الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه. قال: " وكان من الكافرين " وفي هذا رد واضح على القدرية ومن تابعهم. وقيل: " فريقا " نصب " بهدى "، " وفريقا " الثاني نصب بإضمار فعل، أي وأضل فريقا. وأنشد سيبويه:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به * وحدي وأخشى الرياح والمطرا (3) قال الفراء: ولو كان مرفوعا (4) لجاز. (إنهم اتخذوا الشيطان أولياء من دون الله) وقرأ عيسى بن عمر: " أنهم " ب‍ الهمزة، يعني لأنهم.
قوله تعالى: يا بني ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (31)

(1) راجع ص 42 من هذا الجزء.
(2) من البحر.
(3) البيتان للربيع بن ضبع الفزاري. وصف فيهما انتهاء شبيبته وذهاب قوته.
(4) أي في مثل هذا التركيب في غير كلام الله.
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»