تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٩٣
عليه وسلم حض على التقليل من الدنيا والزهد فيها والقناعة بالبلغة. وقد كانت العرب تمتدح بقلة الأكل وتذم بكثرته. كما قال قائلهم:
تكفيه فلذة كبد إن ألم بها * من الشواء ويروي شربه الغمر (1) وقالت أم زرع في ابن (2) أبي زرع: ويشبعه ذراع الجفرة (3). وقال حاتم الطائي يذم بكثرة الأكل:
فإنك إن أعطيت بطنك سؤله * وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا (4) وقال الخطاب: معنى قوله (صلى الله (5) عليه وسلم): المؤمن يأكل في معي واحد أنه يتناول دون شبعه، ويؤثر على نفسه ويبقي من زاده لغيره، فيقنعه ما أكل. والتأويل الأول أولى والله أعلم. وقيل في قوله عليه السلام: (والكافر يأكل في سبعة أمعاء) ليس على عمومه، لأن المشاهدة تدفعه، فإنه قد يوجد كافر أقل أكلا من مؤمن، ويسلم الكافر فلا يقل أكله ولا يزيد. وقيل: هو إشارة إلى معين. ضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيف كافر يقال: إنه الجهجاه الغفاري. وقيل: ثمامة بن أثال. وقيل: نضلة بن عمرو الغفاري. وقيل: بصرة بن أبي بصرة الغفاري. فشرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم فشرب حلاب شاة فلم يستتمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. فكأنه قال: هذا الكافر. والله أعلم. وقيل: إن القلب لما تنور بنور التوحيد نظر إلى الطعام بعين التقوى على الطاعة، فأخذ منه قدر الحاجة، وحين كان مظلما بالكفر كان أكله كالبهيمة ترتع حتى تثلط (6).
واختلف في هذه الأمعاء، هل هي حقيقة أم لا؟ فقبل حقيقة، ولها أسماء معروفة عند أهل العلم بالطب والتشريح. وقيل: هي كنايات عن أسباب سبعة يأكل بها النهم:
يأكل للحاجة والخبر (7) والشم والنظر واللمس والذوق ويزيد استغناما (8). وقيل: المعنى أن يأكل أكل من له سبعة أمعاء. والمؤمن بخفة أكله يأكل أكل من ليس له إلا معي واحد،

(1) البيت لأعشى باهلة يرثى أخاه المنتشر بن وهب الباهلي.
ورواية اللسان: يكفيه حزة فلذ... والمعنى واحد. والغمر (بضم الأول وفتح الثاني): القرح الصغير.
(2) في ع: ابنة. تشبعها (3) الجفرة: الصغيرة من ولد المعزى إذا بلغ أربعة أشهر.
(4) الذي في ديوانه: * وإنك مهما تعط... الخ.
(5) من ع.
(6) الثلط: الرقيق من الروث.
(7) يريد شهوة الأذن.
(8) في ع: استتعاما.
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»