تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٩٥
قلت: وقد يكون هذا معنى قوله عليه السلام: (المؤمن يأكل في معي واحد) أي التام الإيمان، لأن من حسن إسلامه وكمل إيمانه كأبي جحيفة تفكر فيما يصير إليه من أمر الموت وما بعده، فيمنعه الخوف والإشفاق من تلك الأهوال من استيفاء شهواته. والله أعلم.
وقال ابن زيد: معنى " ولا تسرفوا " لا تأكلوا حراما. وقيل: (من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت). رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، خرجه ابن ماجة في سننه. وقيل: من الإسراف الأكل بعد الشبع. وكل ذلك محظور. وقال لقمان لابنه:
يا بني لا تأكل شبعا فوق شبع، فإنك إن تنبذه (1) للكلب خير من أن تأكله. وسأل سمرة بن جندب عن ابنه ما فعل؟ قالوا: بشم البارحة. قال: بشم! فقالوا: نعم. قال: أما إنه لو مات ما صليت عليه. وقيل: إن العرب في الجاهلية كانوا لا يأكلون دسما في أيام حجهم، ويكتفون باليسير من الطعام، ويطوفون عراة. فقيل لهم: " خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا " في تحريم ما لم يحرم عليكم.
قوله تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيمة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون فيه أربع مسائل: الأولى - قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله) بين أنهم حرموا من تلقاء أنفسهم ما لم يحرمه الله عليهم. والزينة هنا الملبس الحسن، إذا قدر عليه صاحبه. وقيل: جميع الثياب، كما روي عن عمر: إذا وسع الله عليكم فأوسعوا. وقد تقدم. وروي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب شيخ مالك رضي الله عنهم أنه كان يلبس كساء خز بخمسين دينارا، يلبسه في الشتاء، فإذا كان في الصيف تصدق به، أو باعه فتصدق بثمنه، وكان يلبس في الصيف

(1) في ج: تنشره.
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»