تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٢٨
قوله تعالى: (فإن كذبوك) شرط والجواب (فقل ربكم ذو رحمة واسعة) أي من سعة رحمته حلم عنكم فلم يعاقبكم في الدنيا. ثم أعده لهم في الآخرة من العذاب فقال:
(ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) وقيل: المعنى ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين إذا أراد حلوله في الدنيا.
قوله تعالى: سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون (148) قوله تعالى: (سيقول الذين أشركوا) قال مجاهد: يعني كفار قريش. (قالوا (1)) (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ) يريد البحيرة والسائبة والوصيلة. أخبر الله عز وجل بالغيب عما سيقولونه (1)، وظنوا أن هذا متمسك لهم لما لزمتهم الحجة وتيقنوا باطل ما كانوا عليه. والمعنى: لو شاء الله لأرسل إلى آبائنا رسولا فنهاهم عن الشرك وعن تحريم ما أحل (لهم (1)) فينتهوا فأتبعناهم على ذلك. فرد الله عليهم ذلك فقال: (هل عندكم من علم فتخرجوه لنا) أي أعندكم دليل على أن هذا كذا؟: (إن تتبعون إلا الظن) في هذا القول. (وإن أنتم إلا تخرصون) لتوهموا ضعفتكم أن لكم حجة. (وقوله (1)) " ولا آباؤنا " عطف على النون في " أشركنا ". ولم يقل نحن ولا آباؤنا، لأن قول " ولا " قام مقام توكيد المضمر، ولهذا حسن أن يقال: ما قمت ولا زيد.
قوله تعالى: قل فلله الحجة البلغة فلو شاء لهديكم أجمعين (149) قوله تعالى: " قل فلله الحجة البالغة " أي التي تقطع عذر المحجوج، وتزيل الشك عمن نظر فيها. فحجته البالغة على هذا تبيينه أنه الواحد، وإرساله الرسل والأنبياء، فبين التوحيد بالنظر في المخلوقات، وأيد الرسل بالمعجزات، ولزم أمره كل مكلف. فأما علمه وإرادته

(1) من ك.
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»