تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٣٩
منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ فقال: (قد تركتكم على البيضاء (1) ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة وعليكم بالطاعة وإن عبد ا حبشيا فإنما المؤمن كالجمل الأنف (2) حيثما قيد انقاد) أخرجه الترمذي بمعناه وصححه.
وروى أبو داود قال حدثنا ابن كثير قال أخبرنا سفيان قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأل عن القدر، فكتب (إليه (3)): أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤونته، فعليك بلزوم الجماعة فإنها لك بإذن الله عصمة، ثم أعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فان السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطأ و الزلل، والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وإنهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدي ما أنتم عليه فقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، قد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من مجسر، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم مع (4) ذلك لعلى مستقيم. وذكر الحديث. وقال سهل بن عبد الله التستري: عليكم بالاقتداء بالأثر والسنة، فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحوال ذموه ونفروا عنه وتبرأوا منه وأذلوه وأهانوه. قال سهل: إنما ظهرت البدعة على يدي أهل السنة لأنهم ظاهروهم وقاولوهم (5)، فظهرت أقاويلهم وفشت في العامة فسمعه من لم يكن يسمعه، فلو تركوهم

(1) البيضاء. يريد صلى الله عليه وسلم الملة والحجة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلا.
(2) الأنف (ككتف): المأنوف وهو الذي عقر الخشاش أنفه، فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذي به.
وقيل: الأنف الذلول.
(3) من ك وز.
(4) في ك: بين.
(5) في ك وع: ناولوهم.
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»