وكلامه فغيب لا يطلع عليه العبد، إلا من ارتضى من رسول. ويكفي في التكليف أن يكون العبد بحيث لو أراد أن يفعل ما أمر به لأمكنه. وقد لبست المعتزلة بقول: " لو شاء الله ما أشركنا " فقالوا: قد ذم الله هؤلاء الذين جعلوا شركهم عن مشيئته. وتعلقهم بذلك باطل، لأن الله تعالى إنما ذمهم على ترك اجتهادهم في طلب الحق. وإنما قالوا ذلك على جهة الهزء واللعب. نظيره " وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم (1) ". ولو قالوه على جهة التعظيم والإجلال والمعرفة به لما عابهم، لأن الله تعالى يقول: " لو شاء الله ما أشركوا (2) ". و " ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله (2) ". " ولو شاء لهداكم أجمعين (3) ". ومثله كثير. فالمؤمنون يقولونه لعلم منهم بالله تعالى.
قوله تعالى: قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون (150) قوله تعالى: (قل هلم شهداءكم) أي قل لهؤلاء المشركين أحضروا شهداءكم على أن الله حرم ما حرمتم. و " هلم " كلمة دعوة إلى شئ، ويستوي فيه الواحد والجماعة والذكر والأنثى عند أهل الحجاز، إلا في لغة نجد فإنهم يقولون: هلما هلموا هلمي، يأتون بالعلامة كما تكون في سائر الأفعال. وعلى لغة (أهل (4)) الحجاز جاء القرآن، قال الله تعالى: " والقائلين لإخوانهم هلم إلينا (5) " يقول: هلم أي أحضر أو ادن. وهلم الطعام، أي هات الطعام. والمعنى ها هنا: هاتوا شهداءكم، وفتحت الميم لالتقاء الساكنين، كما تقول: رد يا هذا، ولا يجوز ضمها ولا كسرها. والأصل عند الخليل " ها " ضمت إليها " لم " ثم حذفت الألف لكثرة الاستعمال. وقال غيره. الأصل " هل " زيدت عليها " لم ". وقيل: هي على لفظها تدل على معنى هات. وفي كتاب العين للخليل: أصلها هل أؤم، أي هل أقصدك، ثم كثر استعمالهم