تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٢٩
وكلامه فغيب لا يطلع عليه العبد، إلا من ارتضى من رسول. ويكفي في التكليف أن يكون العبد بحيث لو أراد أن يفعل ما أمر به لأمكنه. وقد لبست المعتزلة بقول: " لو شاء الله ما أشركنا " فقالوا: قد ذم الله هؤلاء الذين جعلوا شركهم عن مشيئته. وتعلقهم بذلك باطل، لأن الله تعالى إنما ذمهم على ترك اجتهادهم في طلب الحق. وإنما قالوا ذلك على جهة الهزء واللعب. نظيره " وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم (1) ". ولو قالوه على جهة التعظيم والإجلال والمعرفة به لما عابهم، لأن الله تعالى يقول: " لو شاء الله ما أشركوا (2) ". و " ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله (2) ". " ولو شاء لهداكم أجمعين (3) ". ومثله كثير. فالمؤمنون يقولونه لعلم منهم بالله تعالى.
قوله تعالى: قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون (150) قوله تعالى: (قل هلم شهداءكم) أي قل لهؤلاء المشركين أحضروا شهداءكم على أن الله حرم ما حرمتم. و " هلم " كلمة دعوة إلى شئ، ويستوي فيه الواحد والجماعة والذكر والأنثى عند أهل الحجاز، إلا في لغة نجد فإنهم يقولون: هلما هلموا هلمي، يأتون بالعلامة كما تكون في سائر الأفعال. وعلى لغة (أهل (4)) الحجاز جاء القرآن، قال الله تعالى: " والقائلين لإخوانهم هلم إلينا (5) " يقول: هلم أي أحضر أو ادن. وهلم الطعام، أي هات الطعام. والمعنى ها هنا: هاتوا شهداءكم، وفتحت الميم لالتقاء الساكنين، كما تقول: رد يا هذا، ولا يجوز ضمها ولا كسرها. والأصل عند الخليل " ها " ضمت إليها " لم " ثم حذفت الألف لكثرة الاستعمال. وقال غيره. الأصل " هل " زيدت عليها " لم ". وقيل: هي على لفظها تدل على معنى هات. وفي كتاب العين للخليل: أصلها هل أؤم، أي هل أقصدك، ثم كثر استعمالهم

(1) راجع ج 16 ص 73.
(2) راجع ص 60 و 66. من هذا الجزء.
(3) راجع ج 10 ص 81.
(4) من ك.
(5) راجع ج 14 ص 151.
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»