تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٦٩
عليها واحتجب عن النور باستيلاء الظلمة، حصلت الشقاوة العظمى وحقت العقوبة بالنار وهو الرين والحجاب الكلي لقوله: * (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون 14 كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون 15) * [المطففين، الآيات: 14 - 15] ولهذا وجب خلود العقاب ودوام العذاب بفساد الاعتقاد دون فساد الأعمال * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * [النساء، الآية: 48]. وأما الباقيتان فرذيلة كل منهما إنما تعود بظهورها على النطقية الملكية ثم ربما محيت بانقهارها وتسخرها لها عند سكون هيجانها وفتور سلطانها باستيلاء غلبة النور وتسلطها عليها بالطبع، كحال النفس اللوامة عند التوبة والندامة.
وربما بقيت بالإصرار وترك الاستغفار، وفي الحالين لا تبلغ رذيلتهما مقام السر ومحل الحضور ومناجاة الرب، ولا تتجاوز حد الصدر. ولا تصير الفطرة بها محجوبة الحقيقة منكوسة بخلاف تلك، ألا ترى أن الشيطنة المغوية للآدمي أبعد عن الحضرة الإلهية من السبعية والبهيمية وأبعد بما لا يقدر قدره؟ فالإنسان برسوخ رذيلة النطقية يصير شيطانا، وبرسوخ الرذيلتين الأخريين يصير حيوانا كالبهيمة أو السبع وكل حيوان أرجى صلاحا وأقرب فلاحا من الشيطان ولهذا قال تعالى: * (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين 221 تنزل على كل أفاك أثيم 222) * [الشعراء، الآيات: 221 - 222]، ونهى ها هنا عن اتباع خطوات الشيطان، فإن ارتكاب مثل هذه الفواحش لا يكون إلا بمتابعته ومطاوعته وصاحبه يكون من جنوده وأتباعه، فيكون أخس منه وأذل، محروما من فضل الله الذي هو نور هدايته، محجوبا من رحمته التي هي إفاضة كمال وسعادة، ملعونا في الدنيا والآخرة، ممقوتا من الله والملائكة، تشهد عليه جوارحه بتبدل صورها وتشوه منظرها، خبيث الذات والنفس، متورطا في الرجس، فإن مثل هذه الخبائث لا تصدر إلا من الخبيثين، كما قال تعالى: * (الخبيثات للخبيثين) * وأما الطيبون المتنزهون عن الرذائل، فإنما تصدر عنهم الطيبات والفضائل * (لهم مغفرة) * بستر الأنوار الإلهية صفات نفوسهم * (ورزق كريم) * من المعاني والمعارف الواردة على قلوبهم.
تفسير سورة النور [آية 35] * (الله نور السماوات والأرض) * النور هو الذي يظهر بذاته وتظهر الأشياء به، وهو مطلقا اسم من أسماء الله تعالى باعتبار شدة ظهوره وظهور الأشياء به، كما قيل:
* خفي لإفراط الظهور تعرضت * لإدراكه أبصار قوم أخافش * * وحظ العيون الزرق من نور وجهه * كشدة حظ للعيون العوامش *
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»