تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ١٢٧
هو ظاهر اليقين وصورته كما قيل في تفسير قوله تعالى: * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين 99) * [الحجر، الآية: 99]، فكذلك انتهاء الصلاة الحقيقية بالفناء المطلق الذي هو حق اليقين. وأما في مقام البقاء بعد الفناء فيتجدد جميع الصلوات الست مع سابعة وهي صلاة الحق بالمحبة والتفريد.
* (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) * فالصلاة البدنية تنهى عن المعاصي والسيئات الشرعية، وصلاة النفس تنهى عن الرذائل والأخلاق الرديئة والهيئات المظلمة، وصلاة القلب تنهى عن الفضول والغفلة، وصلاة السر تنهى عن الالتفات إلى الغير والغيبة، كما قال عليه السلام: ' لو علم المصلي من يناجي ما التفت '. وصلاة الروح عن الطغيان بظهور القلب بالصفات كنهي صلاة القلب عن ظهور النفس بها، وصلاة الخفاء عن الاثنينية وظهور الأنائية، وصلاة الذات تنهى عن ظهور البقية بالتلوين وحصول المخالفة في التوحيد * (ولذكر الله أكبر) * الذي هو ذكر الذات في مقام الفناء المحض، وصلاة الحق عند التمكين في مقام البقاء اأكبر من جميع الأذكار والصلوات * (والله يعلم ما تصنعون) * في جميع المقامات والأحوال والصلوات.
* (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) * إنما منع المجادلة مع أهل الكتاب إلا بالطريقة التي هي أحسن لأنهم ليسوا محجوبين عن الحق بل عن الدين، فهم أهل استعداد ولطف لا أهل خذلان وقهر. وإنما ضلوا عن مقصدهم الذي هو الحق في الطريق لموانع وعادات وظواهر فوجب في الحكمة مرافقتهم في المقصد الذي هو التوحيد كما قال: * (وإلهنا وإلهكم واحد) * ومرافقتهم في الطريق ما استقام منها ووافق طريق الحق، لا ما اعوج وانحرف عن المقصد كالانقياد والاستسلام للمعبود بالحق الواحد المطلق كما قال: * (ونحن له مسلمون) * ليتحقق عندهم أنهم على الحق متوجهون إلى مقصدهم سالكون لسبيله، فتطمئن قلوبهم. وملاطفتهم في بيان كيفية سلوك الطريق بتصويب ما هو حق مما هم عليه وتبصير ما هو باطل لاحتجابهم عنه بالعبادة، كقوله: * (آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) * لمناسبتهم ومشاركتهم إياهم في اللطف، فيستأنسوا بهم ويقبلوا قولهم ويهتدوا بهداهم إلا الذي ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فبطل استعدادهم وحجبوا عن ربهم، وهم الذين ظلموا منهم على أنفسهم بإبطال استعداداتهم ونقص حقوقها من كمالاتها بتكديرها وتسويدها، ومنعها عن القبول بكثرة ارتكاب الفضول فإنهم أهل القهر لا يؤثر فيهم إلا القهر ولا تنجع فيهم الملاطفة للمضادة بين الوصفين.
تفسير سورة العنكبوت من [آية 47
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»