عنها بفقدان الأسباب والآلات، وتعذبهم بإيلام الهيئات ونيران الآثار وهم بين مبتلين شديدين ومشوقين قويين إلى الجهة العلوية بمقتضى الفطرة الأصلية، وإلى السفلية باقتضاء رسوخ الهيئة العارضية مع الحرمان عنهما واحتباسهم في برزخ بينهما نعوذ بالله منه.
* (والذين جاهدوا) * من أهل الطريقة * (فينا) * بالسير في صفاتنا، وهو السير القلبي لأن المبتدئ الذي هو في مقام النفس سيره بالجهاد إلى الله. والمجاهدة في هذا السير بالحضور والمراقبة والاستقامة إلى الله في الثبات على حكم التجليات * (لنهدينهم) * إلى طرق الوصول إلى الذات، وهي الصفات لأنها حجب الذات، فالسلوك فيها بالاتصاف بها موصل إلى حقيقة الاسم الثابت له تعالى بحسب الصفة الموصوف هو بها وهو عين الذات الواحدية وهي باب الحضرة الأحدية * (وإن الله لمع المحسنين) * الذين يعبدون الله على المشاهدة، كما قال عليه السلام: ' الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه '، فالمحسنون السالكون في الصفات والمتصفون بها لأنهم يعبدون بالمراقبة والمشاهدة، وإنما قال:
' كأنك تراه ' لأن الرؤية والشهود العيني لا يكون إلا بالفناء في الذات بعد الصفات.