تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٩٥
بإذن الحق، فإن حظها حينئذ يقويها على موافقة القلب في مقاصده ولأنها غير طاغية لتنورها بنور الحق * (فإذا أقضتم) * أي: دفعتم أنفسكم من مقام المعرفة التامة الذي هو نهاية مناسك الحج وأمها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة)). * (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * أي: شاهدوا جمال الله عند السر الروحي المسمى بالخفي، فإن الذكر في هذا المقام هو المشاهدة، والمشعر هو محل الشعور بالجمال المحرم من أن يصل إليه الغير * (واذكروه كما هداكم) * إلى ذكره في المراتب فإنه تعالى هدى أولا إلى الذكر باللسان وهو ذكر النفس ثم إلى الذكر بالقلب وهو ذكر الأفعال الذي تصدر نعماء الله آلاؤه منه. ثم ذكر السر وهو معاينة الأفعال ومكاشفة علوم تجليات الصفات. ثم ذكر الروح وهو مشاهدة أنوار تجليات الصفات مع ملاحظة نور الذات. ثم ذكر الخفي وهو مشاهدة جمال الذات مع بقاء الإثنينية. ثم ذكر الذات وهو الشهود الذاتي بارتفاع البقية * (وإن كنتم من قبله) * أي: من قبل الوصول إلى عرفات المعرفة والوقوف بها * (لمن الضالين) * عن هذه الأذكار.
* (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * ثم أفيضوا إلى ظواهر العبادات والطاعات وسائر وظائف الشرعيات والمعاملات من حيث، أي: من مقام إفاضة سائر الناس فيها، وكونوا كأحدهم. قيل لجنيد رحمة الله عليه: ما النهاية؟ قال: الرجوع إلى البداية. * (واستغفروا الله) * من ظهور النفس وتبرمها بالحال وطغيانها. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ثبتني على دينك))، فقيل له في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: ((أو ما يؤمنني، إن مثل القلب كمثل ريشة في فلاة، تقلبها الرياح كيف شاءت)). ولما تورمت قدماه فقالت له عائشة رضي الله عنها: أما غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((أفلا أكون عبدا شكورا)). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ((أعوذ بالله من الضلال بعد الهدى)).
[آية 200 - 205] * (فإذا قضيتم مناسككم) * وفرغتم من الحج * (فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»