والوجه الذي يلي النفس منه مظلم بظلمة صفاتها يسمى الصدر وهو محل وسوسة الشيطان كما قال: * (الذي يوسوس في صدور الناس 5) * [الناس، الآية: 5]، فإذا تحرك الروح وأقبل القلب بوجهه إليه تنور وتقوى بالقوة العقلية الباعثة المشوقة إلى الكمال ومال إلى الخير والطاعة، وإذا تحركت النفس وأقبل القلب بوجهه إليها تكدر واحتجب عن نور الروح وأظلم العقل ومال إلى الشر والمعصية. وفي هاتين الحالتين تطرق الملك للإلهام والشيطان للوسواس وخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا. وفي الآية لطيفة هي: أنه استعمل في الميل إلى الخير الازورار عن الكهف، وفي الميل إلى الشر قرضهم أي: قطعهم، وذلك أن الروح يوافق القلب في طريق الخير ويأمره به ويوافقه معرضا عن جانب البدن وموافقاته ولا يوافقه في طريق الشر بل يقطعه ويفارقه وهو منغمس في ظلمات النفس وصفاتها الحاجبة إياه عن النور وهو إشارة إلى تلوينهم في السلوك، فإن السالك ما لم يصل إلى مقام التمكين وبقي في التلوين قد تظهر عليه النفس وصفاته فيحتجب عن نور الروح ثم يرجع ذلك أي: طلوع نور الروح واختفاؤه من آيات الله التي يستدل بها ويتوصل منها إليه وإلى هدايته. * (من يهد الله) * بإيصاله إلى مقام المشاهدة والتمكين فيها * (فهو المهتد) * بالحقيقة لا غير * (ومن يضلل) * بحجبه عن نور وجهه فلا هادي له ولا مرشد، أو من يهد الله إليهم وإلى حالهم بالحقيقة ومن يضلله يحجبه عن حالهم.
[تفسير سورة الكهف من آية 18 إلى آية 20] * (وتحسبهم أيقاظا) * يا مخاطب لانفتاح أعينهم وإحساساتهم وحركاتهم الإرادية الحيوانية * (وهم رقود) * بالحقيقة في سنة الغفلة تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون * (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) * أي: نصرفهم إلى جهة الخير وطلب الفضيلة تارة، وإلى جهة الشر ومقتضى الطبيعة أخرى * (وكلبهم) * أي: نفسهم * (باسط ذراعيه) * أي: ناشرة قوتيها الغضبية والشهوانية * (بالوصيد) * أي: بفناء البدن، ولم يقل: وكلبهم هاجع لأنها لم ترقد بل بسطت القوتين في فناء البدن ملازمة له لا تبرح عنه، والذراع الأيمن هو الغضب لأنه أقوى وأشرف وأقبل لدواعي القلب في تأديبه، والأيسر هو الشهوة لضعفها وخستها * (لو اطلعت عليهم) * أي: على حقائقهم المجردة وأحوالهم