فالحاصل أن اختلافهم وتباينهم روحا وقلبا ونفسا لا ينافي اتحادهم في الحقيقة وكذا افتراقهم بالأزمنة لا ينافي معيتهم في الأزل والأبد وعين الجمع كما قال: * (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) * [البقرة، الآية: 253] مع قوله: * (لا نفرق بين أحد منهم) * [البقرة، الآية: 136]. ويجوز أن يكون المراد بأصحاب الكهف روحانيات الإنسان التي تبقى بعد خراب البدن. وقول من قال: ثلاثة، إشارة إلى الروح والعقل والقلب.
والكلب هي النفس الملازمة لباب الكهف. ومن قال: خمسة إشارة إلى الروح والقلب والعقل النظري والعقل العملي والقوة القدسية للأنبياء التي هي الفكر لغيرهم. ومن قال: سبعة فتلك الخمسة مع السر والخفاء والله أعلم.
[تفسير سورة الكهف من آية 10 إلى آية 12] * (إذ أوى الفتية إلى الكهف) * أي: كهف البدن بالتعلق به * (فقالوا) * بلسان الحال * (ربنا آتنا من لدنك) * أي: من خزائن رحمتك التي هي أسماؤك الحسنى * (رحمة) * كما لا يناسب استعدادنا ويقتضيه * (وهيئ لنا من أمرنا) * الذي نحن فيه من مفارقة العالم العلوي والهبوط إلى العالم السفلي للاستكمال * (رشدا) * استقامة إليك في سلوك طريقك والتوجه إلى جنابك، أي: طلبوا بالاتصال البدني والتعلق بآلات الكمال وأسبابه الكمال العلمي والعملي.
* (فضربنا على آذانهم) * أي: أنمناهم نومة الغفلة عن عالمهم وكمالهم نومة ثقيلة لا ينبههم صفير الخفير ولا دعوة الداعي الخبير. في كهف البدن * (سنين) * ذوات عدد، أي: كثيرة أو معدودة أي: قليلة هي مدة انغماسهم في تدبير البدن وانغمارهم في بحر الطبيعة مشتغلين بها، غافلين عما وراءها من عالمهم إلى أوان بلوغ الأشد الحقيقي، والموت الإرادي والطبيعي، كما قال: ' الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا '.
* (ثم بعثناهم) * أي: نبهناهم عن نوم الغفلة بقيامهم عن مرقد البدن ومعرفتهم بالله وبنفوسهم المجردة * (لنعلم) * أي: ليظهر علمنا في مظاهرهم أو مظاهر غيرهم من سائر الناس * (أي الحزبين) * المختلفين في مدة لبثهم وضبط غايته الذين يعينون المدة أم يكلون علمه إلى الله، فإن الناس مختلفون في زمان الغيبة. يقول بعضهم: يخرج أحدهم على رأس كل ألف سنة وهو يوم عند الله، لقوله: * (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * [الحج، الآية: 47]. ويقول بعضهم: على رأس كل سبعمائة عام أو على رأس كل مائة، وهو بعض يوم، كما قالوا: * (لبثنا يوما أو بعض يوم) * [الكهف، الآية: 19]. والمحققون المصيبون هم الذين يكلون علمه إلى الله كالذين