تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٤٠٦
* رأيت ربي بعين ربي * فقال من أنت قلت أنت * وقد فني ابن آدم في هذا المقام وما بقي منه شيء وإلا فما للتراب ورب الأرباب، أو * (ولقد كرمنا بني آدم) * بالتقريب ومعرفة التوحيد وحملناهم في بر عالم الأجساد وبحر عالم الأرواح بتسييره فيهما لتركيبه منهما وإرقائه عنهما في طلب الكمال ورزقناهم من طيبات العلوم والمعارف، * (وفضلناهم) * على الجم الغفير * (ممن خلقنا) *، أي: جميع المخلوقات، على أن تكون من للبيان والمبالغة في تعظيمه بوصف المفضل عليهم بالكثرة وتنكير الوصف وتقديمه على الموصوف أي كثير، وأي كثير وهو جميع مخلوقاتنا لدلالة من على العموم * (تفضيلا) * تاما بينا.
* (يوم ندعو) * إلى آخره، أي: نحضر * (كل) * طائفة من الأمم مع شاهدهم الذي يحضرهم ويتوجهون إليه من الكمال ويعرفونه سواء كان في صورة نبي آمنوا به كما ذكر في تفسير قوله: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) * [النساء، الآية: 41] أو إمام اقتدوا به أو دين أو كتاب أو ما شئت على أن تكون الباء بمعنى مع أو ننسبهم إلى إمامهم وندعوهم باسمه لكونه هو الغالب عليهم وعلى أمرهم المستعلي مجتهم إياه على سائر محباتهم * (فمن أوتي كتابه بيمينه) * أي: من جهة العقل الذي هو أقوى جانبيه وبعث في صورة السعداء * (فأولئك يقرؤون كتابهم) * دون غيرهم لاستعدادهم للقراءة والفهم لأن الذي أوتي كتابه بشماله، أي: من جهة النفس التي هي أضعف جانبيه لا يقدر على قراءة كتابه وإن كان مقروؤا لذهاب عقله وفرط حيرته * (ولا يظلمون) * أي: لا ينقصون من صور أعمالهم وكمالاتهم وأخلاقهم شيئا قليلا.
* (ومن كان في هذه أعمى) * عن الاهتداء إلى الحق * (فهو في الآخرة) * كذلك * (وأضل سبيلا) * مما هنا لأن له في هذه الحياة آلات وأدوات وأسبابا يمكنه الاهتداء بها وهو في مقام الكسب باقي الاستعداد إن كان ولم يبق هناك شيء من ذلك.
* (وإن كادوا ليفتنونك) * الخ، هو من باب التلوينات التي تحدث لأرباب القلوب بظهور النفس ولأرباب الشهود والفناء بوجود القلب، فإنه صلى الله عليه وسلم لفرط شغفه وحرصه على إيمانهم بوجود القلب كاد يميل إليهم في بعض مقترحاتهم ويرضى ببعض ما هو خلاف شريعته، ويضيف إلى الله ما ليس منه طلبا للمناسبة التي كان يتوقع أن تحدث بينه وبينهم بذلك فيحبوه كما قال: * (وإذا لاتخذوك خليلا) * عسى أن يقبلوا قوله ويهتدوا به. واستمالة وتطييبا لقلوبهم عسى أن يلينوا وينزلوا عن شدة إنكارهم فيرق حجابهم وتتنور قلوبهم، فشدد وأقيم من عند الله، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: ' كان خلقه القرآن ' تعني أنه عليه صلى الله عليه وسلم كلما ظهرت نفسه وهمت بما ليس بفضيلة نبه من عند الله وثبت بتنزيل آية تقومه وترده إلى الاستقامة
(٤٠٦)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»