تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٣٨٥
* (ويجعلون لما لا يعلمون) * وجوده مما سواه * (نصيبا مما رزقناهم) * فيقولون: هو أعطاني كذا، ولو لم يعطني لكان كذا، وفلان رزقني وأعانني، فيجعلون لغيره تأثيرا في وصول ذلك إليه، وإن لم يثبتوا له تأثيرا في وجوده فقد جعلوا له نصيبا مما رزقهم الله.
[تفسير سورة النحل من آية 75 إلى آية 76] * (ضرب الله مثلا) * للمجرد والمقيد والمشرك والموحد * (عبدا مملوكا) * محبا لغير الله، مؤثرا له بهواه، فإن المقيد بالشيء يدين بدينه ويصدر عن حكمه، ويتصرف بأمره، فهو عبده إذ كل من أحب شيئا أطاعه، وإذا أطاعه فقد عبده. فمنهم من يعبد الشيطان ومنهم من يعبد الشهوة ومنهم من يعبد الدنيا أو الدينار أو اللباس، كما قال عليه صلى الله عليه وسلم: ' تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، وتعس عبد الخميصة '، وقال الله تعالى: * (أفرءيت من اتخذ إلهه هواه) * [الجاثية، الآية: 23] وإذا عبده كان مملوكه ورقيقه. * (لا يقدر على شيء) * لأن المحب والعابد لا يرتقي همته وتأثيره وقوة نفسه من محبوبه ومعبوده وإلا لما كان مقهورا له، أسيرا في وثاقه، بل ينقض منه ومعبوده عاجز لا تأثير له، بل لا وجود سواء كان جمادا أو حيوانا أو إنسانا أو ما شئت، فهو أعجز منه وأذل، ولهذا قيل: إن الدنيا كالظل، إذا تبعته فاتك وإن تركته تبعك، فإن تابع الدنيا أحقر قدرا من الدنيا وأقل خطرا، ولا تأثير للدنيا فكيف به حتى يحصل له وبسببه شيء؟ وإن الدنيا ظل زائل، فهو ظل الظل ولا ظل لظل الظل، بل الظل للذات ولا ذات له فلا ملك له ولا قدرة.
* (ومن رزقناه منا رزقا حسنا) * ومن أحبنا وأقبل بقلبه علينا، وتجرد عما سوانا، وانقطع إلينا، أعطيناه الأيد والقوة، ورزقناه الملك والحكمة، وأسبغنا عليه النعمة
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»