أجود منه بالنسبة إلى خصوصية ذلك وهويته فكان عينه مقتضيا له في رتبة من مراتب الإمكان كما لا يمكن للحمار مع حماريته استعداد الإدراك الإنساني وكان عينه مستدعيا لما هو عليه من الاستعداد الحماري ولا يطلب منه وراء ما في استعداده فلا ظلم هذا إذا لم يكن في الأصل وأما إذا بطل برسوخ الهيئات المظلمة فلا كلام فيه وكلاهما ظالم لنفسه. أما الأول فلقصوره في درجات الإمكان ونقصانه بالإضافة إلى ما فوقه كقصور الحمار مثلا عن الإنسان ونقصانه بالإضافة إليه لا في نفسه فإنه في حد نفسه ليس بقاصر ولا ناقص. وأما الثاني فظاهر وعلى هذا معنى * (أنفسهم يظلمون) * ينقصون حظها، أو إن الله لا يظلم الناس شيئا بأن يطلب منهم ما ليس في استعدادهم فيعاقبهم على ذلك ولكن الناس أنفسهم يظلمون فيستعملون استعداداتهم فيما لم تخلق لأجله.
* (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار) * لعدم إحساسهم بالحركة المستلزم لذهولهم عن الزمان إذ الذاهل عن الحركة ذاهل عن الزمان، فسواء عندهم الساعة الواحدة والدهور المتطاولة * (يتعارفون بينهم) * بحكم سابقة الصحبة وداعية الهوى اللازمة للجنسية الأصلية بدلا التشاؤم. ثم إن بقيت الجنسية الأصلية والمناسبة الفطرية لاتحادهم في الوجهة واتفاقهم في المقصد بقي التعارف بينهم، وإن لم يبق بسبب اختلاف الأهواء وتباين الآراء وتفاوت الهيئات المستفادة من لواحق النشأة وعوارض المادة انقلب إلى التناكر * (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) * لوقوعهم في وحشة التناكر حينئذ واحتجابهم بحجب عاداتهم الفاسقة وهيئات اعتقاداتهم الفاسدة * (وما كانوا مهتدين) * وبطل نور استعدادهم فلا يهتدون إلى الله ولا إلى التعارف فخسئوا مبغوضين مطرودين لا يألفون أنيسا ولا يؤون أليفا.
[تفسير سورة يونس من آية 47 إلى آية 56]