تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٢٦٧
عند طيران بوارق الأنوار وظهور طوالع تجليات الصفات من اقشعرار الجسد وتأثره وارتعاده بها، ولهذا قال موسى عليه السلام عندها: * (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي) * إذ لا قول لموسى عليه السلام عند الصعقة ولا لهم لفنائهم عندها، وقوله صلى الله عليه وسلم: * (رب لو شئت) *، كلمة ضجر وفقدان صبر من غلبة الشوق عند ألم الفراق، كما قال محمد صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحالة: ' ليت أمي لم تلدني، وكذا ليت رب محمد لم يخلق محمدا '، وهم بإلقاء نفسه عن الجبل. ولو هذه للتمني. * (أتهلكنا) * بطول الحجاب وعذاب الحرمان وألم الفراق * (بما فعل السفهاء منا) * من عبادة عجل هوى النفس والاحتجاب بصفاتها أو بما صدر منا حالة السفه قبل التيقظ والاستبصار وإرادة السلوك وظهور نور البصيرة والاعتبار من الوقوف مع النفس وصفاتها * (إن هي إلا فتنتك) * أي: ما هذا الابتلاء بصفات النفس وعبادة الهوى إلا ابتلاؤك لا مدخل فيها لغيرك * (تضل من تشاء) * من أهل الحجب والشقاوة والجهل والعمى * (وتهدي من تشاء) * من أهل السعادة والعناية والعلم والهدى، قالها في مقام تجلي الأفعال.
* (أنت) * متولي أمورنا القائم بها * (فاغفر لنا) * ذنوب صفاتنا وذواتنا كما غفرت لنا ذنوب أفعالنا * (وارحمنا) * بإفاضة أنوار شهودك ورفع حجاب الأينية بوجودك * (وأنت خير الغافرين) * بالمغفرة التامة.
* (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة) * العدالة والاستقامة بالبقاء بعد الفناء * (وفي الآخرة حسنة) * المشاهدة والزيادة * (إنا هدنا) * رجعنا * (إليك) * عن ذنوب وجودنا * (قال عذابي) * أي: عذاب الشوق المخصوص بي الحاصل من جهتي، وإن كان أليما لشدة ألم الفراق، لكنه أمر عزيز خطير * (أصيب به من أشاء) * من أهل العناية من عبادي الخاصة بي * (ورحمتي وسعت كل شيء) * لا تختص بأحد دون أحد غيره وشئ دون شيء ففي هذا العذاب رحمة لا يبلغ كنهها ولا يقدر قدرها من رحمة لذة الوصول التي قال فيها: * (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) * [السجدة، الآية: 17] مع كونه لذيذا لا يقاس بلذته لذة، كما قال أحدهم:
* وكل لذيذ قد نلت منه * سوى ملذوذ وجدي بالعذاب * ولعمري إن هذا العذاب أعز من الكبريت الأحمر. وأما الرحمة فلا يخلو من حظ منها أحد * (فسأكتبها) * تامة كاملة رحيمية كتبة خاصة * (للذين يتقون) * الحجب كلها ويفيضون مما رزقوا من الأموال والأخلاق والعلوم والأحوال على مستحقيها * (والذين هم) * بجميع صفاتنا يتصفون وهم * (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) * في آخر الزمان، أي: المحمديون الذين اتبعوا في التقوى وصفه بقوله تعالى له: * (وما
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»