إشارة إلى نفسه التي يتوكأ عليها أي: يعتمد عليها في الحركات والأفعال الحيوانية ويهش بها على غنم القوة البهيمية السليمية، ورق الآداب الجميلة والملكات الفاضلة والعادات الحميدة من شجرة الفكر، وكانت نفسه من حسن سياسته إياها ورياضته لها، منقادة لتصرفاته، مطواعة لأوامره، مرتدعة عن أفعالها الحيوانية إلا بإذنه كالعصا. وإذا أرسلها عند الاحتجاج في مقابلة الخصوم صارت كالثعبان يتلقف ما يأفكون من أكاذيبهم الباطلة ويزورون من حبال شبهاتهم التي بها تحكم دعاويهم، وعصي مغالطاتهم ومزخرفاتهم التي تمسكوا بها عند الخصام في إثبات مقاصدهم فتغلبهم وتقهرهم. * (ونزع يده) * أي: أظهر قدرته الباهرة التي تبهرهم وتظهر نور حقية دعواه، والظاهر أنه كان الغالب على زمانه هو السحر، فخرج بالسحر الإلهي كما أن الغالب على زمان محمد عليه صلى الله عليه وسلم كان هو الفصاحة، فكانت معجزة القرآن.
وعلى زمان عيسى عليه السلام الطب، فجاء بالطب الإلهي على ما روي لأن معجزة كل نبي يجب أن تكون من جنس ما غلب على زمانه ليكون أدعى إلى إجابة دعواه.
[تفسير سورة الأعراف من آية 142 إلى آية 144] * (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة) * قيل: أمره بصوم ثلاثين فلما أتم أنكر خلوف فمه، فتسوك فعاتبه الله على ذلك وأمره بزيادة عشر، وقيل: أمره بأن يتقرب إليه بما تقرب به في الثلاثين، وأنزل إليه التوراة في العشر الأخير تتمة الأربعين. فالأول:
إشارة إلى أنه خلص عن حجاب الأفعال والصفات والذات في الثلاثين لكن بقي منه بقية ما خلص عن وجودها. واستعمال السواك إشارة إلى ظهور تلك البقية عند قوله:
* (رب أرني أنظر إليك) *. والثاني: إشارة إلى أنه بلغ الشهود الذاتي التام في الثلاثين بالسلوك إلى الله ولم يبق منه بقية، بل فنى بالكلية. وتم في العشر الأخير سلوكه في الله حتى رزق البقاء بالله بعد الفناء بالإفاقة، وعلى هذا ينبغي أن يكون قوله: * (رب أرني أنظر إليك) * كان قد صدر عنه في الثلاثين، والإفاقة بعدها في تتمة الأربعين.
وكلمة ربه، التكليم في مقام تجلي الصفات، وقوله: * (رب أرني أنظر إليك) * بدر عن إفراط شوق منه إلى شهود الذات في مقام فناء الصفات مع وجود البقية. و * (لن