كونك وشهادتك من القول والفعل، له وجود في روحك التي هي ما وراء غيب غيبك، ثم في غيب، ثم في نفسك التي هي غيبك الأدنى وسماؤك الدنيا، ثم يظهر على جوارحك. والجعل أعم من الإبداع والتكوين، فلم يقل (خالق) لأن الإنسان مركب من العالمين: خليفة يتخلق بأخلاقي، ويتصف بأوصافي، وينفذ أمري، ويسوس خلقي، ويدبر أمرهم، ويضبط نظامهم، ويدعوهم إلى طاعتي.
وإنكار الملائكة بقولهم:
* (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) * وتعريضهم بأولويتهم لذلك بقولهم: * (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) * هو احتجابهم عن ظهور معنى الإلهية والأوصاف الربانية فيه التي هي من خواص الهيئة الاجتماعية والتركيب الجامع للعالمين الحاصر لما في الكونين. وعلمهم بصدور الأفعال البهيمية التي هي الإفساد في الأرض، والسبعية المعبر عنها بسفك الدماء اللتين هما من خواص قوة الشهوة والغضب الضروري وجودهما في تعلق الروح البدن، وبنزاهة ذواتهم وتقدس نفوسهم عن ذلك، إذ كل طبقة من الملائكة المقدسة تطلع على ما تحتها وما في أنفسها ولا تطلع على ما فوقها، فهي تعلم أنه لا بد في تعلق الروح العلوي النوراني بالبدن السفلي الظلماني من واسطة تناسب الروح من وجه، وتناسب الجسم من وجه، هي النفس، وهي مأوى كل شر، ومنبع كل فساد. ولا تعلم أن الجمعية الإنسانية جالبة للنور الإلهي الذي هو سر * (إني أعلم ما لا تعلمون) * والفرق بين التسبيح والتقديس، أن التسبيح: هو التنزية عن الشريك والعجز والنقص. والتقديس: هو التنزية عن التعلق بالمحل وقبول الانفعال وشوائب الإمكان والتعدد في ذاته وصفاته وكون شيء من كمالاته بالقوة. فالتقديس أخص، إذ كل مقدس مسبح وليس كل مسبح مقدسا، فالملائكة المقربون الذين هم الأرواح المجردة بتجردهم وعدم احتجابهم عن نور ربهم وقهرهم ما تحتهم بإفاضة النور عليهم، وتأثيرهم في غيرهم، وكون جميع كمالاتهم بالفعل مقدسون وغيرهم من الملائكة السماوية والأرضية مسبحون ببساطة ذواتهم وخواص أفعالهم وكمالاتهم.
[آية 31 - 33] * (وعلم آدم الأسماء كلها) * أي: ألقى في قلبه خواص الأشياء التي تعرف بها