* (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) * أي: الجهة السفلية التي هي العالم العنصري جميعا لكونها مبادئ خلقكم ومواد وجودكم وبقائكم * (ثم استوى) * أي:
قصد قصدا مستويا إلى الجهة العلوية، وثم للتفاوت بين الجهتين والإيجادين الإبداعي والتكويني لا للتراخي بين الزمانين ليلزم تقدم خلق الأرض على السماء.
فعدلهن سبع سماوات بحسب ما تراه العامة، إذ الثامن والتاسع هو الكرسي والعرش الظاهران. والحقيقة أن الجهة السفلية هي العالم الجسماني كالبدن وأعضائه لدنو رتبته بالنسبة إلى العالم الروحاني الذي هو الجهة العلوية المعبر عنها بالسماء.
وثم للتفاوت بين الخلق والأمر. وسواهن سبع سماوات إشارة إلى مراتب عالم الروحانيات، فالأول: هو عالم الملكوت الأرضية والقوى النفسانية والجن. والثاني:
عالم النفس. والثالث: عالم القلب. والرابع: عالم العقل. والخامس: عالم السر.
والسادس: عالم الروح. والسابع: عالم الخفاء الذي هو السر الروحي غير السر القلبي. وإلى هذا أشار أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: ((سلوني عن طرق السماء، فإني أعلم بها من طرق الأرض))، وطرقها: الأحوال والمقامات كالزهد، والتوكل، والرضا، وأمثالها.
واعلم أن العقل باصطلاح الحكمة هو الروح باصطلاح أهل التصوف، والذي سميناه ههنا بالعقل على اصطلاح المتصوفة هو القوة العاقلة التي للنفس الناطقة عند الحكماء. ولهذا قالت المتصوفة: العقل هو موضع صقيل من القلب، متنور بنور الروح. والقلب هو النفس الناطقة، فاحفظه لئلا يتشوش الفهم باختلاف الاصطلاح.
[آية 30] * (وإذ قال ربك للملائكة) * إذ: إشارة إلى السرمد الذي هو من الأزل إلى الأبد، والقول هو إلقاء معنى تعلق مشيئة الله تعالى بإيجاد آدم في الذوات القدسية الجبروتية التي هي الملائكة المقربون والأرواح المجردة والملكوتية التي هي النفوس السماوية إذ كل ما يحدث في عالم الكون له صورة قبل التكوين في عالم الروح الذي هو عالم القضاء السابق، ثم في عالم القلب الذي هو قلب العالم المسمى باللوح المحفوظ، ثم في عالم النفس أي: نفس العالم الذي هو لوح المحو والإثبات المعبر عنه بالسماء الدنيا في التنزيل كما قال تعالى: * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) * [أية 21] [الحجر، الآية: 21]، فذلك قوله تعالى للملائكة: * (إني جاعل في الأرض خليفة) * واعتبر بحالك في نفسك، فإن كل ما يظهر على جوارحك التي هي عالم