تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ١٣٦
* (فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا) * إذ لا تقبل هناك إلا الأمور النورانية الباقية لأن الآخرة هي عالم النور والبقاء، فلا وقع ولا خطر للأمور الظلمانية فيها الفانية. وهل كان سبب كفرهم واحتجابهم إلا محبة هذه الفواسق الفانية؟، فكيف تكون سبب نجاتهم وقربهم وقبولهم وندبتهم وهي بعينها سبب هلاكهم وبعدهم وخسرانهم وحرمانهم.
* (لن تنالوا البر) * كل فعل يقرب صاحبه من الله فهو بر، ولا يمكن التقرب إليه إلا بالتبري عما سواه، فمن أحب شيئا فقد حجب عن الله تعالى به وأشرك شركا خفيا لتعلق محبته بغير الله، كما قال تعالى: * (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) * [البقرة، الآية: 156] وآثر نفسه به على الله، فقد بعد من الله بثلاثة أوجه وهي: محبة غير الحق، والشرك، وإيثار النفس على الحق. فإن آثر الله به على نفسه وتصدق به وأخرجه من يده، فقد زال البعد وحصل القرب، وإلا بقي محجوبا وإن أنفق من غيره أضعافه فما نال برا لعلمه تعالى بما ينفق وباحتجابه بغيره.
* (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل) * أي: العقلاء بحكم الأصل، إذ العقل يحكم بأن الأشياء خلقت لمنافع العباد مطلقا فما يكون من جملة المطعومات خلقت لتناولها * (إلا ما حرم إسرائيل) * الروح * (على نفسه) * بالنظر العقلي عند التجربة والقياس ومعرفة مضارها ومنافعها على التفصيل بعد الحكم الإجمالي بحلها، فإن العقل يحكم بحرمة ما يضر أو يهلك.
* (من قبل أن تنزل التوراة) * أي: من قبل نزول الحكم الشرعي بالتوراة وسائر الكتب الإلهية وذلك أن الناس اختلفوا بعدما كانوا أمة واحدة على دين الحق، كما ذكر، فبعث الله النبيين لهدايتهم وإصلاح أحوال معاشهم ومعادهم، وردهم إلى الحق والاتفاق، فما اقتضت الحكمة الإلهية بحسب أحوالهم المختلة وطباع قلوبهم المخرفة ونفوسهم المريضة، حرمته من المألوفات والأشياء الصارفة عن الحق الحاجبة بينهم وبين الله، والمهيجة للهوى والشهوات وسائر المفاسد والفتن المانعة إياهم عن كمالهم واهتدائهم حرم عليهم.
[تفسير سورة آل عمران من آية 96 إلى آية 97]
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»