تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ١٣١
إليها، المعبر عنها ب ' سدرة المنتهى ' أعني: مقام النهاية في الكمال، ولم ينل درجة المحبة، لم يكن له بد من النزول مرة أخرى في صورة جسمانية، يتبع الملة المحمدية لنيل درجتها، والله أعلم بحقائق الأمور.
[تفسير سورة آل عمران من آية 59 إلى آية 60] * (إن مثل عيسى) * أي: إن صفته عند الله في إنشائه بالقدرة من غير أب * (كمثل آدم) * في إنشائه من غير أبوين. واعلم أن عجائب القدرة لا تنقضي ولا قياس ثمة على أن لتكون الإنسان من غير الأبوين نظيرا من عالم الحكمة، فإن كثيرا من الحيوانات الناقصة الغريبة الخلقة تتولد خلقا في ساعة، ثم تتناسل وتتوالد، فكذا الإنسان، يمكن حدوثه بالتولد في دور من الأدوار، ثم بالتولد، وكذا التكون من غير أب، فإن مني الرجل أحر كثيرا من مني المرأة، وفيه القوة العاقدة أقوى كما في الإنفحة بالنسبة إلى الجبن، والمنعقدة في مني المرأة أقوى، كما في اللبن فإذا اجتمعا تم العقد وانعقد، ويتكون الجنين. فيمكن وجود مزاج إناثي قوي يناسب المزاج الذكوري كما يشاهد في كثير من النسوان، فيكون المتولد في كليتها اليمنى بمثابة مني الذكر لفرط حرارته بمجاورة الكبد لمن مزاج كبدها صحيح قوي الحرارة، والمتولد في كليتها اليسرى بمثابة مني الأنثى فإذا احتملت المرأة لاستيلاء صورة ذكورية على خيالها في النوم واليقظة بسبب اتصال روحها بروح القدس وبملك آخر، ومحاكاة الخيال، ذلك كما قال تعالى: * (فتمثل لها بشرا سويا) * [مريم، الآية: 17] سبق المنيان من الجانبين إلى الرحم فتكون في المنصب من الجانب الأيمن قوة العقد أقوى، وفي المنصب من الجانب الأيسر قوة الانعقاد، فيتكون الجنين ويتعلق به الروح. وقوله:
* (كن فيكون) * إشارة إلى نفخ الروح وكونه من عالم الأمر ليس مسبوقا بمادة ومدة، كخلق الجسد، فيتناسب آدم وعيسى بما ذكر في اشتراكهما في خرق العادة وبكون جسديهما مخلوقين من تراب العناصر، مسبوقين بمادة ومدة وكون روحهما مبدعا من عالم الأمر ليس مسبوقا بمادة ومدة.
[تفسير سورة آل عمران من آية 61 إلى آية 63] * (فمن حاجك فيه) * أي: في عيسى، الآية. إن لمباهلة الأنبياء تأثيرا عظيما سببه
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»