تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ١٢٧
الله ولدا طيبا مقدسا عن لوث الطبيعية، فسمع الله دعاءه، أي: أجاب، فنادته ملائكة القوى الروحانية وهو قائم بأمره في تركيب المعلومات، يناجي ربه باستنزال الأنوار، ويتقرب إليه بالتوجه إلى عالم القدس في محراب الدماغ.
* (أن الله يبشرك بيحيى) * العقل بالفعل * (مصدقا) * بعيسى القلب، مؤمنا به، وهو كلمة من الله لتقدسه عن عالم الأجرام والتولد عن المواد * (وسيدا) * لجميع أصناف القوى * (وحصورا) * مانعا نفسه عن مباشرة الطبيعة الجسمانية وملابسة طبائع القوى البدنية * (ونبيا) * بالإخبار عن المعارف والحقائق الكلية، وتعليم الأخلاق الجميلة، والتدابير السديدة بأمر الحق * (من الصالحين) *. ومن جملة المفارقات والمجردات التي تصلح بأفعالها أن تكون من مقربي حضرة الله تعالى بعد أن بلغ الفكر كبر منتهى طوره ولم يكن منتهيا إلى إدراك الحقائق القدسية، والمعارف الكلية. وكانت امرأته التي هي طبيعة الروح النفسانية لأنها محل تصرف الفكر عاقرا بالنور المجرد.
وعلامة ذلك، أي: علامة حصول النور المجرد وظهوره من النفس الزكية، إمساكه عن مكالمة القوى البدنية في تحصيل مطالبهم ومآربهم ومخالطتهم في فضول لذاتهم وشهواتهم ثلاثة أيام، كل يوم عقد تام من أطوار عمره عشر سنين، إلا أن يرمز إليهم بإشارة خفية، ويأمرهم بتسبيحهم المخصوص بكل واحد منهم من غير أن يدنو منهم في مقاصدهم، وأن يشتغل في الأيام الثلاثة التي مداها ثلاثون سنة من ابتداء سن التمييز، الذي هو العشر الأول، بذكر ربه في محراب الدماغ والتسبيح المخصوص به دائما.
[تفسير سورة آل عمران من آية 42 إلى آية 46] وكذا قالت ملائكة القوى الروحانية لمريم النفس الزكية الطاهرة. * (إن الله اصطفاك) * لتنزهك عن الشهوات * (وطهرك) * عن رذائل الأخلاق والصفات المذمومة * (واصطفاك على نساء) * نفوس الشهوانية الملونة بالأفعال الذميمة والملكات الرديئة * (يا مريم) * أطيعي لربك بوظائف الطاعات والعبادات * (واسجدي) * في مقام الانكسار والذل والافتقار والعجز والاستغفار * (واركعي) * في مقام الخضوع والخشوع مع الخاضعين.
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»